الشعر والحرب والسياسة : علاقة تفاعلية ، كلّ يَحفزُ كُلاًّ !
كان الشعر ، وسيلة الإعلام الأولى ، لدى الأمّة العربية ، في الجاهلية والإسلام ! فكان يُثير الحروب ، أحياناً ، ويسعى إلى إخماد نارها ، أحياناً ! وقد قال أحد الشعراء : ورُبَّ كلامٍ تُستثار به الحربُ !
وقال شاعر آخر:
أرى خَللَ الرمادِ وَميضَ جَمرٍ ويُوشكُ أنْ يكونَ له ضِرامُ
فإنّ النارَ بالعُودَين تذكى وإنّ الحربَ أوّلها الكلامُ
وكان زهير بن أبي سلمى ، حكيمُ الشعر في الجاهلية ، من الذين أسهموا ، إلى حدّ كبير، في ترسيخ الصلح ، بين قبيلتى عبس وذبيان ، بما دبّجه من مدائح ، لهَرم بن سنان ، ومَن معه ، ممّن أسهموا ، في إطفاء نار الحرب ، بين القبيلتين المتقاتلتين !
وفي العهد النبويّ ، تصدّى بعض الشعراء المسلمين ، لشعراء قريش ، الذين كانوا يهجون النبيّ والمسلمين ، وتغلّبوا عليهم ! وكان أبرز الشعراء المسلمين ، حسّان بن ثابت ! وقد حضّه النبيّ ، على الشعر، في فتح مكّة ، قائلاً : إنّ شعره أشدّ عليهم ، من وقع النَبل !
وقال الشاعر الأخطل ، يحرّض بني أميّة ، على بعض القبائل وزعمائها ، كتحريضه إيّاهم ، على زُفَر بن الحارث :
بَني أميّة ، إنّي ناصحٌ لكمُ فلا يَبيتنّ فيكمْ ، آمِناً ، زُفَر
واتّخِذوه عدوّاً ، إنّ شاهدَه وما تَغيّبَ مِن أخلاقِه دُعُرُ
أمّا قصيدة الأعمى التُطيلي ، في الأندلس ، فتكاد تكون معجزة ، في التحريض ، ضدّ اليهود ، الذين كانوا يتحكّمون في مفاصل الدولة ، فجاء الأعمى التُطيلي ، فحرّض بعض القبائل المسلمة ، ضدّ اليهود ، فهبّوا عليهم ن وكسروا شوكتهم ، وقضوا على هيمنتهم الخانقة ، على مفاصل الدولة ! وفي مقدّمة القبائل ، التي حرّضها التطيلي، على الثورة ، قبيلة صنهاجة !
أمّا شعر المتنبّي، في مدح سيف الدولة الحمداني، ووصفه لحروبه مع الروم ، فغَنيّ عن البيان!
وأمّا تخليد الشاعر، أبي تمّام ، معركةَ عمّورية ، بقصيدته العصماء ، فمعروف، وتدرسه الأجيال ، على مدار القرون !
ولم تكن قصيدة أبي تمّام ، في رثاء القائد العسكري ، محمّد بن حُمَيد الطوسي ، أقلّ تحريضاً ، على البطولة ، وعلى المواقف البطولية ، من قصيدته عن عمّورية !