مراحل حياة الإنسان
المرء في حياته يمر بخمسة مراحل ، آخرها الهدف الذي يقرر السعادة أو الشقاء.
ذكرها القرآن الكريم في سورة البقرة، الآية الثامنة والعشرين:
كيف تكفرون بالله وكنتم
- أمواتاً
- فأحياكم
- ثم يميتكم
- ثم يحييكم
- ثم إليه تُرجعون
الإسلام دين الفكر والعقل كما أنه دين العاطفة كذلك، فالإنسان عقل وعاطفة ،ولا بد لإقناع المرء من مخاطبته بهما معاً. وهذه الآية الكريمة خير مثال على ذلك،إذ بدأت الآيةُ بالاستفهام الإنكاري الذي يدفع إلى التفكير بسبب وجودنا ( وما خلقت الجنَّ والإنس إلّا ليعبدون).
ولتتعرف الطريق السليم إلى إلهك عِش أجواء هذه الاية التي تأخذ بيد العاقل اللبيب إلى الحقيقة خطوة خطوة ، وتدَبَّرها مع البرهان والدليل المصاحب.
- فالإنسان كان حياً في عالم الذر، والدليل على ذلك قوله تعالى في الاية 172 من سورة الأعراف( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذُرِّيتَهم،واشهدهم على انفسهم ألستُ بربكم ؟ قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنّا عن هذا غافلين) لقد مسح الله تعالى ظهر أبينا آدم فظهر كل البشر من ذريته ،وطلب إليهم أن يشهدوا بربوبيته ووحدانيته ، ولا تكون الشهادةُ إلا من حي يعقل، فشهدوا على ذلك كي لا يعتذروا يوم القيامة بغفلتهم ،وعدم معرفتهم ، إنهم مع الشهادة بذلك سرت الوحدانية بقلوبهم وعقولهم فغدَت فطرتهم التي فُطِروا عليها،كما نبههم في تلك الآية إلى وجوب الإيمان بيوم القيامة، فلا حجة إذ ذاك إلى الإنكار، فقد شهدوا على ذلك في عالم الذرِّ. وقد يتساءل أحدهم : كيف تقول إنهم أحياء ، والله تعالى يقول: كنتم آمواتاً ؟ فالجواب في ظنّي أن الله تعالى أحياهم ففقهوا وعلموا سبب إخراجهم من ظهور سلفهم ليشهدوا الحقيقة التي خُلقوا لها ثم، غُيِّبوا ليعودوا أحياء بالطريقة الرئيسة في المرحلة الثانية.
- يولد المرءُ في بطن أمه ويحيا فيه ، وليت يومَ مولده يُحسَبُ حين جاء الملك بعد مئة وعشرين يوماً من تَشَكُّله في أحشائها لينفخ فيه الروح ويكتب أربع كلمات ( الرزق والأجل والعمل والسعادة أو الشقاءَ)، وسوف يخرج إلى الحياة الدنيا بعد كمال نشأته ليعيش في دار العمل والاختبار، دارِ البلاء والامتحان.فهل تراه يلتزم بالعهد الذي قطعه لمولاه في عالم الذر أم ينسى ذلك أو يتناساه!،إن العاقل يفكر دائماً بوجوده سبباً ومآلاً ، هدَفاً وتخطيطاً.
- ينتهي أجل المرء في الدنيا فيميته الله تعالى وقل: ينقله الله تعالى إلى عالم آخر يُدعى عالمَ البرزَخ ، لا ندري عنه شيئاً كما لم نكن ندري شيئاً بعد أن أشهدنا الله تعالى على توحيده ووجوب عبادته في عالم الذر ( المرحلة الأولى) إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وضّح لنا خطوطاً عامة تحكم ذلك العالم الآخر الذي سينتقل إليه كل حي.ولو كان في القبر أو بطن حوت أو طير أو مفترس. للموت اسباب وطرق، لكنَّ الموت( الانتقال إلى عالم البرزخ )هو المآل الثالث.
لا بد أن ننوِّه إلى أن المراحل الثلاثة ( كنتم أمواتاً، فأحياكم، ثم يميتكم)لا ينكرها أحد مطلقاً فليس هناك من يدّعي أنه لا بداية له وأنه حي أبدي سرمدي ، لم يكن ميتاً ،ولا يزعم أنه ليس موجوداً بدليل أنه يتكلم ويشرب ويأكل وينامُ ويتزوج ... كما أن الناس جميعاً مؤمنَهم وكافرَهم يعلم أنه سيموت ، فالناس مشتركون جميعاً بالإيمان بتلك المراحل الثلاثة فلا حاجة للتوسع فيها.
وننوّه مرة أخرى إلى دقة المعنى القرآني في هذه الاية الكريمة، فالمرحلة الأولى انتهت والمرحلة الثانية بدأت ، فحدثنا القرآن عنهم بصيغة الفعل الماضي( كنتم أمواتاً ، فأحياكم) ولأن المرحلة الثالثة لمّا تبدأ نبّه إليها بصيغة الفعل المضارع ( يميتكم) ولأنّ المرحلة الثانية بدأت استعمل الفاء – حرف العطف – للترتيب والتعقيب، أما المرحلة الثالثة فقد تأتي متأخرة سنين كثيرة ، وقد يعيش المرء عشرات السنين ، فكان الرابط لها حرف العطف( ثُمَّ) للترتيب والتراخي، وللسبب نفسه استعمل في المرحلتين الرابعة والخامسة حرف العطف نفسَه ( ثُمَّ).
- الحياة الثانية ( ثم يحييكم) حين يُنفخ في الصور، وتخرج الخلائق عن بَكرة أبيها إلى يوم المحشر بداية يوم القيامة الذي أخذ الله عهدنا في الإيمان به في عالم الذرِّ.
ولماذا يحيينا في ذلك اليوم ؟ إنه يوم الحساب ، نسأل الله العفو والعافيه وحُسنَ الختام، ونسأله رضاه والجنّة. يحيينا ومع كل منّا سائق وشهيد، ومعنا الكتب التي تحمل ما عمله الإنسان من خير وشرٍّ.
هنا الفرق بين المؤمن والكافر، فالمسلم رأى عجائب قدرة الله في المراحل الثلاثة ووجد صدقها فآمن بالمرحلتين الرابعة والخامسة بناء على الصدق الذي وجده فيما سبق، كان ذا عقل وعاطفة قاداه إلى السلوك المستقيم لينجو حين يلقى ربه ، ومن كان منطقي التفكير قاده التفكير السليم إلى منطقية الاستنتاج الصحيح، فمن أخبرنا عن المراحل الثلاثة الأولى هو من حدثنا عن المرحلتين الأخيرتين – سبحانه- أما الكافرفقد خانه الشيطان والهوى فقاداه إلى سوء التفكير وفساد العاطفة أوصلاه إلى الإنكار ومخالفة الفطرة.
- وهنا بيت القصيد، هنا النهاية السعيدة للمؤمن المصّدِّق ،والنهاية الشقية للكافر المنكر،إما عفو الله ورضاه، وجنة الخلود في جنات النعيم ، وإما – والعياذ بالله- غضب الجبار وسوء المنقلب في سقر، وما أدراك ما سقر؟!
(قالوا : ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ، فاعترفنا بذنوبنا ، فهل إلى خروج من سبيل؟) الأولى والثالثة موتٌ ،والثانية والرابعة حياةٌ ، وقد عاينوا الصدق في هذه الاية التي ذكرنا في سورة البقرة، ولكن سبق السيفُ العذل، فلا خروج من النار، والسبب(ذلكم بانه إذا دُعيَ الله وحدَه كفرتم وإن يُشرَك به تؤمنوا..)
هذه الاية مثال واحد للتففكير الحر المنطقي الذي يوصل إلى الهدف بسلام، ليس في ديننا غموض ولا جهل ولا تجاهل كما عند الآخرين( أطفئ سراج عقلك واتبعني) إنما القاعدة ( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ..لقوم يتفكرون...لأولي الألباب..لمن كان له قلبٌ او ألقى السمع وهو شهيد ..).
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وارزقنا رضاك والجنة، وصحبة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبَه الأبرار.
وسوم: العدد 893