غزوة أحد وغزوة 30 يونيو
علاء الدين العرابي
عضو رابطة الإسلام العالمية
ليس كل معارك الحق والباطل معارك بين مسلمين وكفار ، أو بين مسلمين وصليبيين ، فهناك معارك بين مسلمين ومسلمين فقد حكا لنا التاريخ عن معارك بين الصحابة وهم من خير البشر ( كان الحق مع طائفة منهم ) ، وهناك معارك بين مسيحيين ومسيحيين ومنها الحروب العالمية الأولى والثانية
كما أنه ليس كل معارك الحق والباطل معارك بين جيوش وجيوش ، فهناك معارك بين شعوب وحكام ظالمين ، تمثلت هذه المعارك في ثورات الشعوب ضد أنظمتها الحاكمة الظالمة ، وتلك المعارك الأخيرة هي الأهم في التاريخ لأنها تصنع إرادة ، وتفك قيود ، وتحرر إنسان
والحروب تتشابه سواء كانت بين جيوش وجيوش ، أو كانت بين شعوب وأنظمة حاكمة ظالمة ، من هنا فإن عقد مقارنة بين غزوة أحد ، وغزوة 30 يونيو جائزة إذا أخرجنا الحيز العقائدي من المقارنة ، فلا نحكم على أحد بكفر أو نفاق
في هذا المقال نحاول أن نعقد مقارنة بين الغزوتين بهدف استلهام بعض المشاهد من غزوة أحد - التي صنفت على أنها هزيمة للجيش الإسلامي أمام جيش الكفار - ، وإسقاطها على ما حدث في غزوة 30يونيو - التي تصنف على أنها ثورة مضادة كانت الهزيمة فيها من نصيب ثورة 25 يناير -
وقبل عقد المقارنة ، نورد لمحة تستحق أن يلتفت إليها وهي : أن غزوة أحد خلفت شهداء على رأسهم سيد الشهداء حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم (كانت المعركة فيها بين جيش وجيش ) ، وغزوة 30 يونيو خلفت شهداء أيضا ( كانت المعركة فيها بين شعب ونظام حاكم فاسد ظالم ) .. واللمحة هي أن شهداء الغزوتين ضمهم حديث واحد " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله "رواه الطبراني
والمقارنة هنا لا نتناولها من ناحية المحن التي خلفتها كلا الغزوتين ، بل أن الأهم من ذلك هي المنح التي أعطتها كل غزوة
وقد يستغرب أنصار ثورة 25يناير هذا الطرح باعتبار أن 30 يونيو لم يكن بها منحا ، فالواقع يشهد بكل تفاصيله دماء وقتل وظلم وسجون ومعتقلات وتقسيم لمجتمع وغير ذلك ، ونحن لا ننكر هذا الواقع ، ولكن نظرتنا تتجاوز الواقع لتلامس سنن الله في الكون وتلامس الحكمة التي تقول : أن من المحن تأتي المنح
وبعد تلك المقدمة ندخل إلى صلب الموضوع وهو المقارنة بين الغزوتين ، والمنح في كليهما
تستوقفنا ثلاث مشاهد من غزوة أحد ، نستدعيها لننزلها على غزوة 30 يونيو ، وهذه المشاهد كانت منحا في غزوة أحد برغم الهزيمة ، وهي أيضا منحا في غزوة 30 يونيو برغم هزيمة ثورة 25 يناير
المشهد الأول : سقوط أصحاب الزيف والضلال والنفاق
غزوة أحد :
غزوة أحد أسقطت أصحاب الزيف والضلال والنفاق وعلى رأس هؤلاء ابن سلول رئيس المنافقين ، وهذه كانت من أكبر المنح ، لأن أصحاب الزيف والضلال والنفاق تعد خصما من قوة المجتمع المسلم كما قال الله تعالى " لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ"التوبة 47
يقول ابن القيم في كلامه عن هذه المنحة : " ومنها أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر وطار لهم الصيت دخل معهم في الإسلام ظاهرا من ليس معهم فيه باطنا، فاقتضت حكمة الله عز وجل أن سبب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق، فأطلع المنافقون رؤوسهم في هذه الغزوة، وتكلموا بما كانوا يكتمونه، وظهرت مخابئهم، وعاد تلويحهم تصريحا، وانقسم الناس إلى كافر ومؤمن ومنافق انقساما ظاهرا وعرف المؤمنون أن لهم عدوا في نفس دورهم ، وهم معهم لا يفارقونهم فاستعدوا لهم وتحذروا منهم. قال تعالى: مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ آل عمران 179
وهذه هي المنحة الجلية من غزوة أحد أن ميز الله الخبيث من الطيب
غزوة 30 يونيو
غزوة 30 يونيو أسقطت أيضا أصحاب الزيف والضلال والنفاق ، وكشفت عن كثير من السوءات ، وفضحت الوجوه الزائفة ، أخرج الله من ثورة 25 يناير من ليس منها ، وكانت تلك هي المنحة الأهم (منحة تمييز الخبيث من الطيب ) ، ودعونا نرى ذلك :
كشفت 30 يونيو الطرف الثالث الذي ظل الشعب يبحث عنه منذ 25 يناير ، ظهر جليا إلا عن بعض العيون التي لا زالت عليها غشاوة صنعها إعلام مزيف ، برغم أن أصحاب تلك العيون لو أرادوا تحكيم عقولهم بعيدا عن هذا الإعلام الماجن لانقشعت تلك الغشاوة ، والطرف الثالث هو الطرف الذي سرق شعبا بقوة السلاح ، وأدخله قسرا في غيابات الفقر والجهل والتخلف طيلة عقود مضت
سقط حماة الوطن ، وتبين أنهم لا يحمون إلا أنفسهم ومصالحهم ، وتبين أيضا أن " حاميها حراميها " كما يقول المثل الشعبي ، بل وتبين ما هو أفظع من ذلك ، تبين أنهم تحالفوا مع الشيطان ضد ثورة شعبهم ، وانقلبت لديهم الموازين ، فأصبح العدو هو الصديق ، وأصبح من يعادي أعداء الوطن هم الأعداء
سقطت منصة العدالة ، وهي تحكم على الأطفال وجريمتهم أنهم رفعوا أصابع أربع ، وحكموا على الركع السجود ، وبرءوا ساحة الظلم والفساد ، كما برءوا ساحة العهر والمجون
سقطت عمامات السلطان ، أولها عمامة السلطان الكبرى الذي حرم الخروج على الشرعية أيام المخلوع ، وأحل الخروج على رئيس منتخب ، عزى الأقباط في بعض قتلاهم ، وأحل دماء المسلمين داخل قلعته وخارجها .. عمامة أخرى تحملت وزر من قتل ومن سوف يقتل من المسلمين فوق أرض الكنانة قال " طوبى لمن قتلهم " .. تلك العمامات وغيرها سقطت في محكمة الثورة وحملت أوزار ودماءا .. وأرجو ألا يغتر أحد بهؤلاء أو بعماماتهم الكبيرة لأن الإسلام علمنا أن نعرف الرجال بالحق ، ولا نعرف الحق بالعمامات الزائفة
سقطت بعض اللحى الكبيرة التي اكتشفنا ولاءها لأمن الدولة ، ظلت تلك اللحى تتوارى خلف حديث مزيف عن الشريعة ، فلما تورطوا في جريمة الخروج عن الحاكم بقوة السلاح تنازلوا طوعا عن مادة تفسير الشريعة التي صاغوها ( مادة 219) ، ولم يستطيعوا الوقوف أمام الكنيسة ، قبلوا أن تحذف ، وأن يوضع مكانها عبارة البابا الأسبق " مصر وطن يعيش فينا " ، وتلطخت لحاهم الكبيرة بدماء إخوانهم
سقطت زعامات كان يظن البعض أنها حرة فاكتشف أنها زعامات من ورق ، طارت في أول رياح هبت محملة بغبار الغاز المسيل للدموع ، قال أحدهم لصاحب القوة " ياسيدي " ، وتنازل عن الزعامة طواعية أمام مجنزرة الدبابة
سقط المنافقون الذين استولوا على فضاء الكلمة ، أولئك الذين يتلونون كالحرباء ، ويغيرون وجوههم وجلودهم كلما تغيرت السلطة ، ويبيعون ضمائرهم بثمن بخس دراهم معدودة ، وسقط أصحاب الأقلام الزائفة أولئك الذين اغتالوا سطور الحقيقة في صحف تلونت بلونين فقط هما الأحمر " لون الدماء " ، والأصفر الباهت " لون النفاق " ، ونقول منافقون لأن صفات النفاق جميعها قد اجتمعت فيهم بنص الحديث الشريف " إذا حدث كذب ، وإذا خاصم فجر ، وإذا وعد أخلف "
المشهد الثاني : تعجل الغنائم :
غزوة أحد
تعجل فرسان غزوة أحد الأمر بعدما لاحت بشائر النصر ، تركوا الجبل ، ونزلوا لاقتسام الغنائم ، فانتهز جيش قريش الفرصة بعد أن خلا الجبل وانكشف ظهر المسلمين ، فتبدلت المواقع ، وتحولت المعركة من النصر إلى الهزيمة
غزوة 30 يونيو
تعجل ثوار 25 يناير النصر وفرحوا بتنحي المخلوع ، تركوا الميدان ، وانشغلوا بقسمة الغنائم ، فانتهز النظام السابق الفرصة واحتل الميدان ، فتبدلت المواقع وبدأت خطة الثورة المضادة
المشهد الثالث : الهروب من المعركة قبل أن تحسم
غزوة أحد
لما ظهر جيش قريش على جيش المسلمين هرب بعض الجنود من المعركة وتشتتوا ، ووصفهم الله بأن الشيطان قد استزلهم قال تعالى " إنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا " آل عمران: 155 ، ولكن البعض الآخر قد ثبت في المعركة ونال الشهادة وسرعان ما رجع الهاربون إلى المعركة من جديد
غزوة 30 يونيو
استذل الشيطان بعض ثوار 25 يناير فتركوا المعركة ، بل أن البعض منهم قد انضم إلي معسكر الثورة المضادة وسقط في شراك الخديعة الكبرى ، ولكن سرعان ما اكتشف هؤلاء الخديعة فهموا بالرجوع إلى معركة 25 يناير من جديد بعدما اكتشفوا زيف دعاوى الشيطان
وأكتفي بما ذكرت وأقول أنها منح رغم أن ظاهرها يدل على المحن ، فهي منح لأنها كشفت الحقيقة ، وبينت الزيف والضلال ، وهي منح بمنطق الدرس والعبرة والتعلم من الأخطاء ، فكثر من الأخطاء التي استفاد منها أصحابها غيرت مجرى التاريخ وقد حسبها البعض النهاية ، وهي في الحقيقة إشارات نصر كبير
بقى كلمة موجهة إلى من يقول : ما بال هؤلاء يدعون الله صباح مساء ، ويصلون بالليل والناس نيام ، ثم يقتلون ويسجنون ويعذبون ، لو كان هؤلاء على الحق لما حدث لهم ذلك ؟ .. أقول لهم : أن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه ذاقوا من البلاء وتعرضوا للقتل وللهزيمة ومنها هزيمة غزوة أحد التي تناولها المقال ، ولم يفتروا يوما عن دعاء ولا صلاة ، ولكنهم كان لديهم ثقة في نصر قادم ، فسنة الله في ابتلاء عباده لغايات كبيرة ، ومنها التمحيص ، فكم من هزيمة حسبها الناس نهاية الطريق ، وهي في الحقيقة بداية لنصر بعيد كبير يحقق الهدف ويغير التاريخ ، وثورة 25 يناير تمر بهذه السنة ، والنصر قادم ولو بعد حين .