السلام مع الفلسطينيين ليس من ضرورات اسرائيل القومية ..!
اعلن هذا الاسبوع عن توصل واشنطن والسودان واسرائيل الي اتفاق تطبيع جديد اعتبره نتنياهو تقدم كبير نحو السلام وبداية عهد جديد واعتبر ان توصل حكومته لاتفاقات تطبيع علاقات مع الامارات والبحرين والسودان جاء نتيجة نهج حكومة اليمين الاسرائيلي الرامي الي " السلام من منطق القوة "واعتبر ان هذا السلام هو مقابل السلام والاقتصاد مقابل الاقتصاد . يبدو ان نتنياهو يعتبرقوة اسرائيل في المنطقة هي التي مهدت الطريق للوصول الي هذه الاتفاقات وهذا فيه شيئا من الواقع لكن ليس قوة اسرائيل وحدها بل نفوذ الولايات المتحدة وخصوصا ادارة ترمب التي تركز في تطبيق صفقة القرن عبر مسار السلام بين اسرائيل والعرب اولاً , لذلك يعتبر نتنياهو الان قضايا التطبيع قضايا سلام كبيرة وضرورات قومية اسرائيلية, ويبدوا انه يعتبر كل اتفاق تطبيع مع كل دولة عربية يتوصل اليه بمساعدة وضغط ادارة ترمب يغلق الطريق امام سلام بارادة دولية مع الفلسطينيين , لذلك يعتبر ان المحادثات السرية التي تجري الان في عواصم عربية بين فرق امريكية اسرائيلية مشتركة وبعض القادة العرب للدخول في دائرة التطبيع وعقد اتفاقات مشابهة لاتفاقات الامارات والبحرين والسودان امر امن قومي لاسرائيل وخاصة ان الحديث الان يدور حول اغراء السعودية وقطر بالولوج في دائرة التطبيع مع اسرائيل والاعلان عن اتفاق ثلاثي قبل الانتخابات الامريكية لكون ذلك سيعزز فرص نجاح ترمب .
كل هذا السعي الامريكي الاسرائيلي نحو مزيد من اتفاقات التطبيع يعني ان السلام مع الفلسطينين لم يعد ضرورة قومية اسرئيلية ,ولم يعد حل الصراع مع الفلسطينيين علي سلم اوليات حكومة اسرائيل ولا تريد ان تسعي اليه او حتي ترغب بان يتحدث اي من الفلسطينين عنه , لذلك هيئ نتنياهو الطريق امام ذلك بالخروج فعليا من اتفاق اوسلوا بطريقته وبدا منذ تولية حكومة اليمين يعمل بعكس اطار اتفاقاتها حتي باتت كل اتفاقيات اوسلو اليوم وراء ظهر اسرائيل واصبح بقاء الفلسطينيين في اطارها لا معني له. هذه عادة اسرائيل ومنهجها في التعامل مع الاتفاقات فلم تكمل اسرائيل اي اتفاق في تاريخها الا بالقوة حتي تلك الاتفاقات في كامب ديفيد مع مصر و وادي عربة مع الاردن التي لم تفضي الي تطبيع بالشكل الذي نراه الان مع الامارات والبحرين ولم تسمح تلك الاتفاقات لهرولة الشعبين نحو تل ابيب ,ولم تدشن مصر او الاردن خطوط ملاحية سياحية وتجارية عبر البحر المتوسط كما فعلت الامارات مؤخراً .مع اتفاقات التطبيع اليوم نسخت اسرائيل كل معادلات حل الصراع من استراتيجيتها السياسية والغت كل المرجعيات وباتت شيئا من الماضي حتي مباردة السلام العربية 2002 باتت السعودية تتحدث عنها بلغة خجولة , وهذا جعل اسرائيل تتنكر لكل مبادئ السلام وحل الصراع ,وتتنكر لكل القرارات الاممية التي صدرت بشأن تسوية الصراع مع الفلسطينيين . تعتبر اسرائيل اليوم انه ليس امامها سوي صفقة ترمب ومخطط الضم بالضفة الغربية وهذه في حد نظر نتنياهو المبادرة الوحيدة التي تعمل اسرائيل علي تطبيقها بالاشتراك مع الامريكان والعرب المطبعين وما يهمهم وضع الفلسطينيين امام سياسية الامر الواقع . هذا كله يعني ان اسرائيل تنفذ مباردة ترمب من طرف واحد ولا تكترث الا بوضع الفلسطينين تحت الوصاية الامنية طويلة الامد .
لعله اصبح مهما ان يركز الفلسطينيين في سبل اجبار نتنياهو علي اعادة صياغة ضرورات اسرائيل القومية من جديد ويمكنهم فعل ذلك ويمكنهم قلب الطاولة في وجه الجميع بل وافراغ كل اتفاقات التطبيع من محتواها , الفلسطينين وحدهم القادرين علي قلب موازين هذه الضرورات واجبار اسرائيل اعادة صياغتها بالشكل المنطقي ,لكن كيف يمكن ان يفعل الفلسطينيين هذا في وقت تفرض العرب و الامريكان عليهم حصار شديد جدا يهدف لتركيعهم واجبارهم للدخول في دائرة التطبيع الامريكية الاسرائيلية والقبول بالمبادرة الامريكية والانخراط في عملية سلام لا تعطي الفلسطينيين حتي هوية . الخيار الوحيد الذي ترك للفلسطينيين هو قلب الموازين وضرب مسارات التطبيع وافشال مخطط ترمب نتنياهو واسقاط الضم ولا ياتي ذلك الا من خلال توحيد الجهود الوطنية واستعادة الوحدة علي اساس هذا الخيار الذي لا يحتاج الي نقاش كبيرولا الي مزيد من تضيع الوقت ولا اتفاق فصائلي يتطلب عقد المزيد من جولات الحوار للامناء العامين ولا يحتاج الي فلسفة وطنية جديدة لكنه يحتاج بالمقام الاول لتعزيز وطني ورعاية رسمية لانتفاضة جديدة بكل المقايس الثورية .
لعل تباطؤ الفلسطينيين في اللجوء الي خيار الانتفاضة الوطنية الجماهيرية الشاملة وتباطئ القيادة الوطنية الموحدة التي شكلت بعد اجتماع الامناء العامين في قيادة الجماهير الفلسطينية الثائرة و توجيهها نحو الاشتباك الحقيقي مع المحتل في كل المدن وعلي كافة نقاط التماس والمحاور والساحات والجبهات كان سببا ليجد نتنياهو ضرورات قومية غير الاقرار بالحقوق الفلسطينية والاعتراف بالفلسطينيين كشعب له حق تقرير المصير بنفسه ,وكان ذلك سببا لان يتجاهل نتنياهو واقع الصراع وحقيقته ويبحت عن اتفاقات تطبيع هنا وهناك ,وكان سببا لان يختار فريق ترمب المافون مسار غير المسار الفلسطيني ليتعامل معه وينكر الحقوق الفلسطينية والمرجعيات والاسس والقرارات الشرعية التي يمكن ان تكون قواعد شرعية حقيقية لتطبيق حقيقي لحل الدولتين . لعل كل تاخير في توسيع دوائر الاشتباك الجماهيري مع الاحتلال الاسرائيلي ومستوطنيه يعني مزيدا من الحصار للفلسطينيين ومزيدا من المؤامرات لتفكيك القضايا الوطنية الكبيرة والاساسية والتنكر للحلول العادلة والشاملة التي وحدها يمكن ان توفر الامن والاستقرار لشعوب المنطقة وتجعل مسارات التطبيع مسارات لا تشكل خطرا علي الثوابت الفلسطينية .
وسوم: العدد 900