نحو حياة طيبة
حين يكون النوم متقطعا تتشكل اﻷحلام المبتوره ، ولا يسقر الجسد على فراش ، أرأيتَ كيف تحمل وسادتك وتنتقل بين الغرف . كما لو كان النوم شخصا تبحث عنه في منزلك . وربما انتهى بك المطاف مرميا على اﻷريكة ، معلقا عينيك بسقف أفكارك . وفي النهاية ستدرك الحقائق كاملة . لا بأس وإن تأخّر وصولها إلى ضيق صدرك ، فسيعلو صوتها بأعماقك وستضيء في كل الجهات التي تقترب منها، أو تبتعد عنها على حد سواء . ستختلي بنفسك ، وتبتسم بهدوء تعدّ هزائمك النفسية لتشعر بعدها أنك كبرتَ . وفجأة ما عاد لديك الوقت لترتّب حياتك . و رفوف ذاكرتك خالية إلاّ ممايذكّرك أنك وحيد في هذا الخضم من الهواجس المقلقات . أيام متشابهات تزخر بها الحياة ، تمتلئ بنا بقدر مانخلو بها ، يكاد واردها على حين غِرة يعذّبنا ، ولكن ما إن تغادر غارتُه قلوبَنا ، نشعر بأثر رفيفه وكأنه يريد أن يهذّبنا ليعيد إلينا بعض ما خسرناه . فتُستعاد راحتُنا ، وتغشانا سكينة نعبق من حولها الأمنيات الجميلات .
يهجم القلق ليبعثر هدوء النفس ، ويرمي المشاعر في أتون الحيرة ، وقد يأتي من جهة مايعاني منه المرء في حياته اليومية ، وقد يرمي مشاعره مرة أخرى في دوامة الخوف والاضطراب ، و ربما تستدعي الحالة نقل صاحبها إلى المستشفى . وهكذا يصعب في كثير من الحالات السيطرة على نشاط القلق وتماديه في مشاعر الناس . فيضعه على الأسرة البيضاء لفترة تطول أو تقصر حسب نوعية الحالة . المرء أدرى بنفسه ، وأعلم بما يسبب له القلق والتوتر ، ولكن يجب عليه ألا يستسلم له مهما كان حادا . وليقنع نفسه أنه حالة طارئة ، وسيزول هذا الطارئ البغيض بلا ريب . وهو نوع من الوهم في بعض الحالات ، وجدير بالإنسان صاحب الإرادة أن لايستسلم أيضا للوهم ولا للهواجس ، وليكن أقوى من إعصار تلك الهواجس ، وهكذا يجب أن يكون . ويحك أيها القلق المكتئب ، حاول أن تحصل على قسط من الراحة لجمسك ، وأن تركن إلى الراحة ، وأن تشغل نفسك بما يخفف عنك وطأة ثقل القلق ، بأي طريقة فيها شيء من التَّروِّي والحكمة . ولتحذر كل الحذر بأن تنقاد خلف هواجس أخرى أشد خطرا من القلق ، فهنا للشيطان لعبته المحببة ، فقد يجرك بصورة آو بأخرى إلى المخدرات وإلى الإدمان ، وهنا تكون الكارثة على حياتك في الدنيا وفي الآخرة . ويبقى الإنسان محتاجا إلى السمو بنفسه ليتخطى المخاوف ، ويدفع القلق وأضرابه عنه ، فالإيمان بالله ، والتقرب إليه بالطاعات ، والباقيات الصالحات تمنحه الثقة ، وتحميه من الوساس ، ففي الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أنه ما من مؤمن يصيبه همٌّ أو غمٌّ أو حزن فيقول : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمَتك ، ناصيتي بيدك ، ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي : إلا فرَّج الله عنه ) فهذا قول مَن لاينطق عن الهوى ، وهو علاج شرعي مكين بإذن الله تعالى . فالإنسان محتاج إلى العبادة وفي العبادة شفاء ، ومحتاج إلى الدعاء وفي الدعاء استجابة تنقذه مما هو فيه . ولقد تعهد الله سبحانه لمَن يعمل الصالحات متقربا بها إلى ربه ، أمن من القلق والتوتر وغيرها من مفسدات العيش ، قال تعالى : ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينّه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ( النحل / 97 .
وسوم: العدد 904