نعيب عامنا والعيب فينا
نودّع هذه الأيّام العام 2020، أي أنّنا نطوي عاما مع أعمارنا، ومن الأمور لم تعد عجيبة أنّ كثيرين منّا فرحون بانتهاء هذا العام، لما مرّ به من كوارث على مستوى العالم جميعه بسبب جائحة كورونا، وتناسى الجميع أنّ الفيروسات القاتلة تجتاح العالم بمعدل مرّة في كل 100 عام، ففي العام 1918 اجتاح أحد الفيروسات القاتلة العالم بدءا من اسبانيا، وحصد أرواح حوالي 50 مليون شخص، علما أنّ عدد سكّان العالم وقتذاك كان يساوي 10% من عددهم هذه الأيّام. وفي العام 1927 اجتاحت الكوليرا الشّرق الأوسط في أعقاب زلزال مدمّر، وحصدت أرواح الملايين خصوصا في مصر وإيران وبلاد الشّام. وفي خمسينات وستّينات القرن الفارط كانت فيروسات السّلّ وشلل الأطفال تثير الرّعب بين النّاس. وإذا كانت الحياة تقوم على الصّراع بين البشر، فإنّ هناك صراعا يقوم بين البشر والطّبيعة، وهو في ازدياد بسبب تعدّيات البشر. فهل العيب في الإنسان أم في الطّبيعة؟
الفيروسات العربيّة
أمّا في العالم الذي يسمّى عربيّا، فقد ابتليت شعوبنا بفيروسات أخطر من فيروسات الطّبيعة، وتتمثّل بأنظمة كنوز أمريكا وإسرائيل الإستراتيجيّة التي تتحكّم برقاب الشّعوب ومقدّرات الأوطان، وهذه الفيروسات دمّرت أوطانا وقتلت وجرحت وشرّدت ورمّلت ويتّمت الملايين، وأنفقت في سبيل ذلك ترليونات الدّولارات خدمة لأهداف المصالح الأمريكيّة والإسرائيليّة في المنطقة، فحصيلة حصاد فيروس كوفيد 19 من العرب والمسلمين لم يتجاوز مئة ألف إنسان من مجموع ما يقارب المليونين على مستوى العالم، في حين حصدت فيروسات كنوز أمريكا وإسرائيل ملايين الأرواح العربيّة، وشرّدت عشرات الملايين، ودمّرت دولا مثل العراق، سوريا، ليبيا، السّودان، الصّومال، اليمن وغيرها، ولم تتوقّف عند هذا بل تعدّته بكثير، وكشفت عن أنيابها بشكل قبيح بسبب ضغوطات الإدارة الأمريكيّة برئاسة ترامب الذي أنهى شعبه صلاحيّاته، فخرجت من جحورها إلى العلن، لتعترف بصفقة ترامب التي أملاها عليه بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيليّة، لتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ، الذي تتخطى أطماعه حدود فلسطين التّاريخيّة. ولتمكين اسرائيل من السّيطرة على المنطقة العربيّة برمّتها، ولتحويل الشّعوب العربيّة الغارقة في سباتها إلى "حطّابين وسقّائين" -حسب التّعبير التّوراتي،
وإذا كان العلماء قد وجدوا مصلا مضادّا لفيروس كورونا، وهذا سيحمي البشريّة من خطره الفتّاك، فهل ستنهض الشّعوب العربيّة، لتحمي أرواحها وأوطانها من خطر الفيروسات التي أخرجتها من التّاريخ.
وإذا كانت الفيروسات الحاكمة تتذرّع بممارسة خطايها ضدّ شعوبها وأوطانها وأمّتها "بالسّيادة المزعومة"، وتتلفّع بعباءة الدّين أحيانا، فإنّه من غير المعقول تجنيد بعض الجماعات المتأسلمة لخدمة مشاريع التّصفية متعدّدة الرّؤوس، وانبثق منها جماعات إرهابيّة كالقاعدة وداعش وجبهة النّصرة وغيرها، والتي شاركت في تدمير أقطار عربيّة وقتل وتشريد شعوبها، مثل العراق، سوريا، ليبيا، اليمن وغيرها، في حربها بالوكالة لتطبيق المشروع الأمريكي "الشّرق الأوسط الجديد، لإعادة تقسيم المنطقة لدويلات طائفيّة متناحرة، فّبِمَ يفسّر من يعتبرون أنفسهم دعاة للإسلام وحماة للمسلمين موافقة ودعم حزب العدالة الإسلامي الحاكم في المغرب ارتماء نظام أمير المؤمنين، رئيس لجنة القدس في أحضان اسرائيل؟ وتهافت الرّئيس التّركي أردوغان زعيم حزب العدالة الإسلامي الحاكم؛ ليحظى برضا اسرائيل وأمريكا عليه؟ ويبقى السّؤال: هل العيب في العام 2020 أم فيمن يعيشون فيه؟ وماذا بالنّسبة للعام القادم، فهل سيتغيّر الحال فيه إذا بقيت شعوبنا في سباتها؟
وسوم: العدد 909