من دفتر الذاكرة : يوم دخل بيتي عناصر الفرقة الثالثة
اعزائي القراء
في عام ١٩٨٠ قامت ثورة النقابات العلمية ، حافظ اسد ومخابراته حاول نسبها من الفها ليائها لما سمي في حينه الطليعة المقاتلة للاخوان المسلمين وذلك من اجل التقليل من دعمها ولكنها كانت ثورة شاملة من النقابات الى التجار الى الطلاب . يومها اجرينا انتخابات لمجلس نقابة المهندسين فنجح تجمع فيه الاسلامي المعتدل وفيه العلماني الوطني وفيه المسيحي وحتى نقيب المهندسين كان المرحوم الدكتور المهندس خير الدين حقي وهو ذو اتجاه علماني ولكن لم ينجح اي واحد من قائمة المخابرات. فجاء الانتقام شديداً . فتم اعتقال مجلس النقابة لعشر سنوات وكان بينهم الاخ غسان ،و بدأت ملاحقات اعضاء النقابات، ونزلت الفرقة الثالثة بقيادة شفيق فياض الى الشوارع يدعمها كتائب من المظليين والوحدات الخاصة وسرايا الدفاع ، وجاءت الاوامر بمنع التجول في المنطقة الشرقية في حلب وبعد تصفية كل شاب وقعت اعينهم عليه جاءت الاوامر ليلا عبر مكروفونات سيارات الشرطة بالتزام سكان المنطقة الغربية بيوتهم لاجراء التفتيش اعتباراً من الغد . لم يكن لدي شيء لاخفيه سوى نشاطي اثناء انتخابات مجلس نقابة المهندسين، ولكن هذا النشاط المشروع كان يعتبر جريمة كبرى احاسب عليها .
القيت نظرة على مكتبتي في البيت فلم يكن فيها شبهة فهي تحوي مختلف الكتب فتشت ادراجي فلم يكن فيها سوى بقايا لرسالة وصلتني من المانيا كنت استفسر فيها عن اسعار تجهيزات كي اقدم اسعار لمناقصة لصالح الشركة السورية للتعمير . فقطعت الرسالة نتفاً نتفا حتى لا توجه لى تهمة التعامل مع دولة اجنبية ورميتها في سلة الاوساخ في المطبخ .
حوالي الرابعة بعد الظهر قرع الباب فدخل (الضيوف ) البيت وكان عددهم خمسة اثنان بلباس مدني برتبة رقيب وواحد يحمل رشاش ٥٠٠ واثنان يحملان كلاشينكوف . ادخلت اولادي الطفلين الصغار لؤي وقصي الى غرفة داخلية زودتهما ببعض الالعاب ليتسلا بها تحاشياً لدخولهم في نوبة بكاء من هذا المنظر الرهيب ولكن دون فائدة.
القوة العسكرية تغلغلت في كل الغرف قلبت عاليها سافلها حتى نبشوا تراب زرعات الياسمين . وفي المطبخ اكتشف ( كولومبو) قائد الفرقة نتف من رسالة مقطعة فظن ان لغز الاتهام صار جاهزاً فاخرج النتف من سلة الاوساخ و بدأ يعيد ترتيبها .
ولما فشلوا بايجاد دليل اخرج كبيرهم نشرة فيها اسماء مطلوبين فتحها على حرف النون فكان فيها عدة اسماء كنيتهم نجار.
علماً ان هذه الكنية منتشرة على كامل الاراضي السورية
وكان يسألني عن كل واحد منهم . لم اتعرف على اي منهم سوى واحد اسمه حسين نجار ، قلت لهم ؛ هذا الرجل اعرفه . ابتسم كولومبو ابتسامة المنتصر وكأنه اكتشف سراً سيحصل بسببه على الجائرة الكبرى .
قال كولومبو : من هو حسين نجار؟
قلت هذا اسم جدي وقد توفي منذ خمس سنوات
فشتمني كبيرهم ثم قال : تفضل معنا لتحت.
تحت يعني الشارع حيث تزدحم فيه شاحنات الزيل العسكرية يحشرون فيها شباب الحارة ، حيث يطلبون منهم التبول على الجدران قبل ان يدفعوهم الى داخل الزيل.
صرخت ام لؤي فيهم اين تاخذون الرجل وليس له اسم في قوائمكم . دعم كلام زوجتي مساعد كولمبو فقال بحدة: ياعلي طالما لايوجد اسم له في الجداول فلن نأخذه ، وكان جاداً وصلباً في كلامه انقذني من كارثة لايعرف مداها الا الله . التفت كبيرهم الي وهو يحمل مسدسه ويحركه امام وجهي ؛ قد نعود في اي لحظة فان لم نجدك اخذنا زوجتك واولادك.
قلت له : اطمئن فطالما هناك منع تجول فانا ملتزم به .
وغادروا ولكن الخوف من عودتهم كان يلازمنا جميعاً
وكان بكاء الاطفال ليلاً يهزنا انا ووالدتهم ولم تخف حالتهم الا بعد شهر تقريباً.
اعرض اليوم هذه الواقعة واسال نفسي ، ماذا فعل اوباش اليوم بابناء شعبنا ؟
انه بلاء يعادل بلاء الامس مضروباً بمليون مرة ولا حل لنا الا الاستمرار بثورتنا حتى النصر ليعيش الجميع بامان وكرامة و لنبدأ بعدها ببناء الوطن
قصص ستظهر قريبا تملا صفحاتها المجلدات لجريمة امتدت خمسين عاماً .
وسوم: العدد 912