ها قد انتهى كل شيء
يبقى الوسواس مشكلة لدى مَن يصاب به ، بل ربما يصبح داء لابد من علاجـه ، والوسواس يؤثر تأثيرا مباشرا على مَن يُبتلى به . والعامل الوراثي له دور في هذا الداء ، كما يذكر العلماء ، وللبيئة التي يعيش فيها المصاب لها تأثير سلبي في بعض الحالات . فالقلق والانفعال والتشاؤم وغيرها من هذه المشاكل قد تكون لدى معظم الناس ، ولكن المشكلة تكمن فيا إذا رافقت هذه الحالات صاحب الوسواس بشكل خاص . كانت هذه الأفكار وغيرها في بابها كثير تمر في الذهن ، وكنت أود لو أنني أستطيه من خلالهـا أن أتغلب على حالة الوسواس ، بل المرض النفسي الذي أصاب هذا الإنسان .
هاهو يقف أمامي مرة أخرى ، فيرمي عليَّ جمله التي تزيد من رحمتي به ، وعطفي عليه ، وكم كرَّر بعض الجمل على مسامعي حين يقول : أخبرتُكِ أنني رجل ملول.. كثير التذمر من التكرار والاختلاف على حد سواء ، فساعة أتجاهل التفاتاتك الحانية ، وساعة تأسرني نصائحك ، وأحيانا تتغلب إنسانيتي ( * ) على كل القسوة التي منحتْني إياها الحياة اثر امتحاناتها المتتالية ، فأبدو معطاءً سخيا ، وإنسانا سويًّا في مجتمعي الذي أعيش فيه . وأحيانا أخرى تتجاوز قسوتي كل الأصوات الإنسانية المنبعثة من أعماقي لأظهر شريرا لئيما لا يبالي بكل ما يدور حولي . أنا أعرف هذا ، وأعرف أنني أفشل في إصلاح ما أفسدت من علاقات حولي . فلم أكن يوما ولدا بارا بوالديَّ ، وتظهر قسوتي جليا في تعاملي معهما ، ولطالما بكيت عندما اختليت مع نفسي ، فحين يستيقظ ضميري ـــ متأخرا ـــ أبدأ بجلد نفسي على حماقاتها ، فأتكوّر فوق سريري ربمـا لأيام كجثة هامدة ، لاأملك من نفسي حتى نفسي! لكني لا ألبث أن أعود لأكرر أخطائي ذاتها مع الأشخاص ذاتهم فلستُ أتعلم أبدا ، ( حاولتُ أنا أن أتكلم حول ماطرح من أفكار ، ولكنه أتم حديثه بصرامة جعلتني ألتزم الصمت وأسمع لِمــا يقول : ) . ثم جئتِ أنتِ كتلويحة من المجهول اقتربتُ منكِ صدفة ، وكل ما يبدأ بصدفة ينتهي بكارثة هذا ما عودتني عليه الحياةُ ، كنتِ كملاك يحيطني من جهاتي الأربعة ، تنصتين إليّ أكثر من أي شخص قد جمعتني به الحياة من قبل ، وأكاد أجزم أن لا أحد بعدك سيكون له ما كان لك ، ولعلي معك فقط لم أخشَ على دموعي أن تسقط بين كفيك ، فأنت أماني الوحيد . حاولتِ كثيرا إصلاح ما أتلفته الأيام منّي ، حاولتِ الإمساك بيدي وانتشالي من بئر الضياع الذي استوطنته. لكني تهت من جديد بين غيمات معتمة . وحين فتحتُ عينيَّ على أمل جديد لم أجدكِ ! ها قــد انتهى كلُّ شيء .
إيمـــان قاســـم
هوامش : ( ها قد انتهى كل شيء ) ، وبقيت هذه الإنسانية التي يود أن يتحلى بها هذا الإنسان ، إنها الإنسانية التي جاء بها الإسلام فهي مفتاح الخلاص من داء الوسواس الذي يُبتلى به المسلم في وضوئه وصلاته ، وفي بعض أعماله اليومية ، وقد حث العلماء عن علاج هذه المشكلة ، وأفاضوا في كشف أسبابها وطرق علاجها ، ولعلي قرأتُ واحتفظتُ ببعض الفقرات من تلك الكتابات المباركة ، وأنقل منها :
*طريقة علاج الوسواس للأستاذ عبدالدائم الكحيل
احبتي في الله! لقد كان النبي الكريم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم قبل قراءة القرآن.. فكيف بنا ونحن اليوم نعاني من ضعف الإيمان.. وسيطرة الشيطان على حياة الكثيرين.. ألسنا بأمس الحاجة لحفظ هذه الآيات والأدعية والعمل بها لتكون وقاية لنا من الشيطان وشره خلال حياتنا؟
الوسوسة هي داء خطير ابتلي به بعض الناس بسبب ضعف في إيمانهم، لذلك أنزل الله آخر سورة وجعلها لعلاج الوسوسة وهي:(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)، فهذه السورة هي أفضل ما يقوم به المؤمن لعلاج الوساوس والشياطين والسحر والمس والعقد والعين وغير ذلك من الاضطرابات النفسية. لقد كان النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الشيطان في كل أعماله، وحتى عند دخوله للمسجد يقول: (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم)، وحتى عند قراءته للقرآن كان يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم لقوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل: 98-100]. وأنصح إخوتي وأخواتي ممن لديهم أي شك أو وسوسة أن يكرروا هذه الآيات سبع مرات كلما تعرضوا لشيء من الوساوس . هناك آيات عظيمة أنصح بتكرارها سبع مرات أيضاً وهي قوله تعالى: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ * وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ * وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ * خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف: 196-201]. وهناك دعاء نبوي عظيم أيضاً يقول رسول الله في دعائه الذي كان يواظب عليه: (أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق و ذرأ و برأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، و من شر ما ذرأ في الأرض ، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل و النهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن). وأخيراً فإن الوسوسة هي شيء وهمي وليس حقيقي، فيجب على من أصابه شيء من ذلك أن يعلم أنها وهم لا تضره، وأن الشيطان أضعف مما يتصور لأن الله تعالى يقول: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء: 76]. والله أعلم.
وسوم: العدد 913