خالد بن الوليد ومعركة اليرموك
من أحداث هذا الشهر (جمادى الآخرة)
كنّا أســـــاتذة الـدنيا وســـــــادتها ما بالنا اليوم أصبحنا مع الخَدَمِ؟!
مقدّمة: كان أول وصولٍ للجيش الإسلامي في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى مؤتة بقيادة زيد بن حارثة رضي الله عنه. ثم كانت غزوة تبوك على مشارف الشام بقيادة النبي صلّى الله عليه وسلّم. وفي بداية عهد الصدّيق تمّ تسيير بعث أسامة بن زيد.
ثم سيّر الصدّيق الجيوش إلى العراق والشام لتحطيم رايات الفساد والضلالة في أعظم دولتين في ذلك الزمان، والتي وقفت في وجه مواكب النور، وحالت دون نشر هذا الدين.
وفي بلاد الشام حدثت معارك عدّة بين المسلمين والرومان، ولكن أهمّها وأكبرها كانت معركة اليرموك.
الزمان: جمادى الآخرة، سنة 13هـ، أواخر أيام الخليفة أبي بكر، وأوائل أيام أمير المؤمنين عمر الفاروق.
المكان: اليرموك، موقع على نهر اليرموك جنوب غرب سورية، غرب مدينة درعا.
النتيجة: كانت اليرموك في الشام مثل القادسية في العراق، فلم تقم للفرس بعد القادسية قائمة، ولم تقم للرومان في الشام بعد قاصمة اليرموك قائمة.
ما إن انتهى المسلمون من قمع المرتدين حتى تطلّعت هممهم نحو البلاد المجاورة لتبليغ الأمانة التي كُلِّفوا بأدائها للعالم أجمع.
إذ عقد الصدّيق الرايات وسيّر الجيوش لفتح العراق وفتح الشام في وقت واحد تقريباً.
وكانت جيوش الشام بقيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص، فيما كان عكرمة بن أبي جهل على جيش آخر ردءاً للمسلمين في الشام.
وسار القادة الأمراء ونزل كل منهم مكاناً من الشام.
فنزل بعضهم في الجابية (جنوب دمشق)، وبعضهم في البلقاء (الأردن)، وآخرون في وادي عربة (جنوب الأردن وفلسطين وقرب العقبة)، فيما نزل الباقون قريباً من بُصرى.
وبالمقابل أراد هرقل أن يَشْغَل كل جيش من جيوش المسلمين عن الآخر. فبعث إلى كل جيش أضعاف عدده، وعلى كل جيش قائد مشهور من قادة الروم مثل تذارق (أخو هرقل)، والدراقص، والفيقار.
وبعد مراسلات بين أمراء الجيوش الإسلامية ثم مراسلات إلى الصدّيق، كان الرأي أن يجتمعوا سويّاً في اليرموك ليقابلوا الروم هناك.
ونظراً لخطورة الموقف وأهمية هذه المعركة، قال الصدّيق: خالدٌ لها، والله لأُنْسينَّ الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد.
كتب الصدّيق إلى خالد بن الوليد ليترك العراق ويأخذ معه قسماً من الجيش وليسير بأسرع ما يمكنه إلى الشام، وولاه الإمرة على جيش الشام.
وسار خالد بن الوليد إلى الشام في رحلته المشهورة خلال مفازة العراق وبادية الشام.
اجتمعت عساكر الروم في اليرموك بقيادة (باهان) وكان عددهم (240 الفاً)، وجعلوا وادي اليرموك من خلفهم. ووصل خالد من العراق وجمع الجيوش بعضها إلى بعض، وصار عددهم (33 ألفاً). ونزل المسلمون بإزاء الروم على طريقهم، فحُصرت الروم بين المسلمين وبين الوادي.
ودارت بين الجيشين مناوشات لأيام عدّة، حتى كان اليوم الفاصل [يوم اليرموك]، حيث خرج خالد في تَعْبِية لم تُعبِّها العرب من قبل ذلك، إذ خرجت الجيوش جميعاً حتى صارت جيشاً واحداً، وترك طريقة الصفوف، وقسّم الجيش إلى كراديس [الكردوس: القطعة العظيمة من الجيش]، فكانوا بين ستة وثلاثين إلى الأربعين كردوساً.
ونظام الكردوس في المعركة نظام مرن وسريع الحركة، فالجندي مرتبط بقائده وأميره، والأمراء مرتبطون بالقائد العام.
وجعل أبا عبيدة قائداً لكراديس القلب، وعمرو بن العاص قائداً لكراديس الميمنة، فيما كان قائد كراديس الميسرة يزيد بن أبي سفيان.
وخرجت الروم في تعبية لم يُرَ مثلُها قبل ذلك، إذ خرجوا في اثني عشر صفاً لا يُرى أول الصف من آخره، فيهم ثمانون ألفاً مقيّدون بالسلاسل كي لا يفرّوا من المعركة.
وحانت ساعة اللقاء المحتوم، وأقبل الأعداء بقضِّهم وقضيضهم وفخرهم وخُيَلائهم، يحادّون الله ورسوله، في دويّ كأنه الرعد، وكأنّهم قِطَع الليل يتبع بعضها بعضاً، يسدّون الأفق أمام المسلمين، ويرفعون الصلبان.
وثبت لهم المسلمون بعد أن قرؤوا سورة الأنفال، يدعون الله ويتضرّعون إليه أن ينصر جنده وحزبه. وقام فيهم أهل النجدات يخطبون بهم ويذكّرونهم صِدق الله ورسوله. وتقابل جند الحق وهم قلّة بعددهم، ولكنهم كُثُر مع تأييد الله لهم، تقابلوا مع جند الباطل وهم كثيرو العدد ولكنهم قلّة مع معاصيهم ومنكراتهم.
واختار خالد كتيبة من فرسان المسلمين، كل فارس يساوي مئة، فكيف إذا اجتمعوا؟! فيهم الزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن أبي بكر، والمقداد بن الأسود، وعمرو بن معد يكرب، وضرار بن الأزور وغيرهم. وجَمَعَهم خالد، وكانوا خلف الجيش بانتظار اللحظة المناسبة [لحظة اضطراب وتخلخل صفوف الروم] ليضربوهم الضربة القاضية.
نشِب القتال بجدّ في جميع الجوانب، وجاء الأعداء كالسيل الجارف، ودارت رحى الحرب الضروس وانكشفت بعض قطاعات المسلمين أمام الضغط الشديد والهجمات المتتابعة من الروم وخاصة في القلب، حتى إن بعض الفرسان صاروا خلف المعسكر.
وهنا انبرى لهم عكرمة بن أبي جهل وضرار بن الأزور في أربعمئة فارس، فثبّت الله جنده، وتقدّم عكرمة ومَن معه حتى ردّوا صفوف الروم إلى الخلف. وما إن انتصف النهار وأذِنَ الله بالنصر، حتى تضعضعت صفوف الروم وحدث الخلل فيها، وهي اللحظة التي ينتظرها خالد، فما هي إلا لحظات حتى دخل هو ومَن معه بين خيل الروم ورَجِلِهم وخلال صفوفهم، فكانوا كالصواعق نزلت بالروم، وأصدر خالد أمره بالهجوم العام، فاضطربت صفوف الروم، وتم الفصل بين الفرسان والرجّالة.
وسوم: العدد 913