ماذا بعد هذا المشوار ؟!
كثيرة هي المرارات التي يمر بها الإنسان في البيئة التي يعيش فيهـا . حتى ليشعر أنه بحاجة لمن يقف بجانبه يؤازره ، يخفف عنه أعباء النفس التي أثقلها : ( طقسُ ) الأيام ، والطقس هنـا يتقلب بين الحين والحين الآخر . ربما يخفي بعض الناس أحزانهم ، ويضمدون جراح قلوبهم بأيديهم أيضا ، وربمـا يحمل العبءَ آخرون بعزيمة خاصة ، وإيمان بالله لاحدود له ، وهم على ثقة بأن العتمة التي تلف النفسَ سينجلي ليلُها الطويل ، فالناس يرجعون في هذه الحال إلى أنفسهم ــ بشكل إجباري ــ أقصد يعود كل إنسان إلى قدراته ، إلى أفكاره ، إلى أصدقائه ... وهكذا . ومنهم كما ذكرت يعودُ إلى الله وهـو يتبرأ من كل حول وقوة لديه ، لإيمانه بأن الأقدار بيد الله وحده ، وربما قرع الأثر القدسي وجه الإنسان وهو يردد الحديث القدسي : ( مَن لم يرض بقضائي فليعبد ربا سِواي ) . آهات ملتهبة بنار الأوجاع ، وتنهدات تبث شكوى قلوب موجوعة من لفح المرارات ، فلو أُتيح لك أن تعيش لساعة واحدة وليس ليوم تام في تلك البيئات التي تنام على فرش الأحزان ، غطاؤُها الثُّكل ، ولباسها أسمال التشرد المذموم ، فسترى مايُدمع عينَك ، ويفجع ضميرَك ، ويأخذك إلى متاحف الوحشة ، وأسواق الخيبة التي افتتحتها الحضارة العَالمية العَلمانية المشؤومة ، والله ... ماهكذا أراد الله لخلقه في إعمار الأرض ، ولا جعل في أكنافها من خزائن ملكه الكثير من الخير ، ومن أسباب السعادة والرفاه ، ولا يرضى الخالق العظيم أن يعبد الإنسانُ المالَ والأهواءَ ووو ... ويقهر من أجلهما أخاه الإنسان ، ولا أن يتعاطى أنواع الموبقات والمهلكات ... تفاصيل يصعب ترجمتها في صفحة خجولة ، ولعل الصوت الخافت الصادر من أعماق المكلومين والمشردين يمزق أستار الحجب التي يحتمي خلفها المجرمون من جنود الشر ، هذا الشَّر الذي الذي لايعترف بالقيم التي جاء ت بها شرائع الله منذ بدء الخلق . ولم يكن أهلُه من أهل الشغف بحضارة الإخاء والرحمة والتَّواد . ألـم يصبح ـــ اليوم وفي عصر الاختراعات المذهلة التي لم تخطر على بال أحد منذ قرن من الزمان ـــ أن العلاقات بين سكان الغبراء : ( الغبراء وهي الأرض وجاء من معانيها في المعجم : داهية الغَبَرِ البلية ، المصيبة التي لاتكاد تذهب ) على امتداد نواحيها هو : ماهو الحل لحالات : النواح والخيبة والنصب الشَّديد المتولد من معنى اللامباة عند أهل الحل والعقد ، أم أن هذا الاستفسار بات ساذجا رخيصا جدا في أسواق القوى العالمية الكبرى التي لاتدين إلا للقوة والكبرياء ؟! أراه كذلك ، لأن الكثير من الحقوق باتت مغتصبة في نصوص قوانينهم التي ترفض النقاش والمداولة فيه ، ولا تسمح لأيٍّ كان أن يخطو خطوة واحدة فوق خطهم الأحمر المنقوش من الدم والهم ، ولا يجرؤُ المصلحُ والمفكرُ والخبيرُ أقصد الإنسان السَّوي أن ينبس بنت شفة في أمر يخالف قبائحَ ماخطته الأيدي الآثمة وراء البحار ؛ ( الكواليس ) . إنهم يردوننا أن نتألم ، وأن لانتمتع بحياة أوجدنا الله فيها لنعيش في سعادة وإخـاء ، إنهم لايرضون بذلك أبدا ، يريدون الأمر كله لهم وبأيديهم وحدهم . ولكنَّ النواميس الربانية تعمل ــ بإذن ربِّها ــ بمنتهى الحكمة والعدل ، والحقب التاريخية المديدة تشهد على ذلك لِمَن يريد أن يطمئن قلبُه ، وتستريح نفسُه من ثِقَلِ الهم الذي يجتاحها كلَّ آن في هذا الزمان ، وهو نبأ عظيم تتلقفه أسماع المفجوعين والموجوعين في عصر حضارة أم الحضارات التي تعاقبت على الأرض بين الأمم . ولعلَّ أمتنا تعيش البثَّ المخيف ، والحزن العميق ، وحق لأبنائها أن يحزنوا ، ولكن لايحق لهم أن يبثُّوا شكواهـم إلا لرب العالمين ، والحـال : يقول : ............
(إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
أما بعد : فماذا يقدَّر الله للبشرية اليوم بعد هذا المشوار ؟
وسوم: العدد 915