الأنانية أو الغرورية علة لا علاج لها وقلما ينتبه إليها المصابون بها فيعالجون منها
الأنانية مصدر صناعي من لفظة " أنا " وهي عبارة عن هوس حب الذات المتضخمة الذي تتولد عنه الأثرة مقابل تجاهل الأغيار الأقارب والأباعد مع انعدام إيثارهم . ويسميها البعض الغرورية ، وهي خداع الإنسان نفسه بالإعجاب بها ،والرضى عنها في كل الأحوال مقابل استصغار شأن الأغيار والتهوين منه .
وأول أنانية أو غرورية في التاريخ هي أنانية وغرورية إبليس اللعين التي جاء ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى : (( قال ما منعك أن تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) ، وفي قوله تعالى : (( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا )) .
وانتقلت علة الأنانية والغرورية من المخلوق الناري إلى المخلوقات الطينية عن طريق العدوى ، وقد ذكر منها الله تعالى في كتابه الكريم نموذجا في قوله عز من قائل في سياق الحديث عن فرعون : (( ونادى فرعون قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين )) .
وتوالت نماذج الأنانية والغرورية في البشر جريا على السنة السيئة التي سنها إبليس اللعين ، وستستمر كذلك إلى قيام الساعة . ولقد ذم الله تعالى الأنانية والغرورية فقال : (( إن الله لا يحب كل مختال فخور )) والخيلاء والافتخار من أعراض علة الأنانية والغرورية .
ومع أن المرضى بعلة الأنانية والغرورية تكثر زلاتهم وهفواتهم ، فإنهم لا يبالون بها وهم تحت تأثير هوس حب الذات المتضخمة وتزكيتها . ومن أعراض هذه العلة أن يغضب المصابون بها من كل من ينصحهم أو ينبههم إلى زلاتهم وعثراتهم ، ويكرهونه ، ويزدادون إصرارا على المضي فيها ، وهم يبررونها بأوهى التبريرات ، ويحاولون تحويلها من عيوب إلى محاسن كما يحول المدلسون المعدن الخسيس إلى معدن نفيس .
والأنانيون والغروريون يثيرون شفقة الناس عليهم لكونهم لا يشعرون بعلتهم مع أن أعراضها واضحة فاضحة.
وتحاشيا لعلة الأنانية والغرورية درج الناس في مجتمعنا على القول : " أنا ،وأعوذ بالله من قول أنا " وهو عبارة عن استعاذة منها ،ذلك أن الضمير أنا سواء استعمل منفصلا أم متصلا يجعل النفس تبجح وصاحبه يتبجح . وعلامة هذه العلة المزمنة كثرة استعمال هذا الضمير في كل الأحوال ، وتجاهل غيره من الضمائر.
والأناني والغروري من الناس تعرفه من خلال تجاذب أطراف الحديث مع غيره ، ذلك أنه لا يكاد غيره يشرع في حديث حتى يصادر منه الكلام ، وقد يتصنع الاعتذار الكاذب عن ذلك لهذا الغير الذي صادر منه كلامه، لأن أنانيته تأبى عليه أن يأخذ الكلمة غيره قبله، والغريب أنه قد لا يكون لتدخله صلة بموضوع الحديث . وإذا حاول أحد تنبيهه إلى ذلك استشاط غضبا ، وأصر على الحديث ، ويتكرر ذلك منه مرات لأن أنانيته لم تألف الإصغاء إلى الغير وقد أصابها التضخم بفعل نفخ الغرور فيها .
والأناني أو الغروري يرى كل ما يقوم به صوابا لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلقه ، وإذا تبين له أن ما قام به خطأ أسرع إلى التبريرات الواهية ، وتحميل مسؤولية ذلك إلى من أو حتى إلى ما لا يمكن أن يحمّلها أصلا .
والأناني أو الغروري بسبب أثرته يكون مصلحيا حريصا على مصلحته أولا وأخيرا مهملا مصالح غيره ، وقد يموه على ذلك بالتظاهر بعكسه إلا أن وقائع الواقع تفضح تمويهه ، وقد يعمد إلى التستر عن مصلحيته وأثرته ظنا منه أن تستره بإمكانه مخادعة غيره . وبسبب تضخم أناه يظن بغيره الغباء والسذاجة والجهل... فلا يقبل منه رأيا ولا مشورة ، ويعامله معاملة العالم الخبير مع من لا علم ولا خبرة له . وقد يتظاهر الأناني أو الغروري بأنه يستشير غيره ولكنه ينتهي في الأخير إلى فرض رأيه فرضا مصرا على ذلك إصرارا .
ومعاشرة الأناني والغروري قد تصيب غيره بعدواه فيحذو حذوه ، وينتهي به الأمر بالإصابة المزمنة بدائه لأن الأنات غير المتضخمة التي تحاول الأنا المتضخمة الاستحواذ عليها تحاول مواجهة تضخمها فتسقط هي الأخرى في عيب التضخم . ومن يعاشر ذا الجرب يجرب ، وهكذا ينتشر هذا الوباء الوخيم الذي نسأل الله عز وجل العافية لنا ولغيرنا منه ، ونعوذ بالله منه .
وسوم: العدد 915