جاذبية إيران في أوربا والولايات المتحدة
يقول بن رودس مستشار الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما لشؤون الأمن القومي وكاتب خطاباته، في مذكراته "العالم كما هو" إن أوباما "يعشق إيران وحضارتها إلى حد العمى»، ويذكر رودس في كتابه "أن الرئيس باراك أوباما يكره العرب بشكل غريب، وكان دائماً يردد أمام مستشاريه أن العرب ليس عندهم مبدأ أو حضارة، وأنهم متخلفون وبدو".
معروف أن أوباما ينحدر من أصل كيني، ومن أصول إسلامية ولكنه تنكرّ للثانية علانية وتمسك بالأولى، ولكنه أظهر حباً لافتاً لإيران أثار اعجاب الزعامة الإيرانية وطمعها في توظيف هذا العشق للحصول على مكاسب سياسية، كما دفع بكثير من المراقبين إلى الاعتقاد بأنه شيعي باطنياً ويؤمن بولاية الفقيه، لا سيما وأن كينيا تضم ثقلا شيعيا نتيجة تأثيرات إيران على الساحل الشرقي لأفريقيا.
قبل أوباما بأكثر من عقدين حكم الولايات المتحدة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان الذي جاء إلى الرئاسة من منصب حاكم ولاية كاليفورنيا وقبل ذلك من السينما، وقال كلمات مختصرة تجسد وجهة النظر الاستراتيجية الأمريكية بالعرب، عندما قال "الخصام مع إيران يضر بالمصالح الأمريكية والصداقة معها تنفع، والخصام مع العرب لا يضر، ومصالحنا لن تتأثر لا بالصداقة ولا بالخصومة فهي جارية على قدم وساق"، بين الرئيسين رؤساء كثيرون وقبلهما أكثر وبعد أوباما اثنان فقط، لم تظهر وثائق رسمية عن حقيقة مواقف الرؤساء الأمريكان من العرب، أو مشاعرهم تجاه الفرس خاصة كعرق، أو إيران كدولة.
فكيف يبني الغربيون مواقفهم السياسية تجاه التكتلات الدولية والدول في مختلف القارات؟ وهل يأتي ذلك استناداً إلى عواطف القادة ومشاعر الحب والبغضاء عند بعضهم تجاه هذا الطرف أو ذاك؟ ومن أين استقى أوباما قناعاته السخيفة عن العرب وحكم عليهم بأنهم على هذه الدرجة من البداوة والتخلف؟ ولماذا اختار هذا الرئيس الذي يحمل عقداً نفسية متولدة عن أصله الزنجي ولأنه كان في بداية عهد جديد في أمريكا التي سادت فيها منظمة كوكلوس كلان العنصرية عقودا طويلا، فأرادت الدولة الأمريكية العميقة تجميل صورة الولايات المتحدة بسبب سياساتها العنصرية المقيتة فجاءت بأوباما نصف زنجي نصف أبيض ليكون مؤشر خط الانتقال بين مرحلتين، ولهذا عكس أوباما كل موروثه من التردد والخوف أثناء رئاستيه فكان موزع الولاءات لا يستقر على حال إلا ووجد نفسه يغادره بعد تأكده من أن رذاذ فشله لن ينعكس على قومه، ومن عقده المستأصلة في أعماق نفسه، أنه جاء بكل منافسيه في الانتخابات الحزبية قبيل وصوله للبيت الأبيض، وجعل منهم موظفين عنده يمارس عليهم عملية تفريغ عقده التاريخية، فجاء بجوزيف بايدن نائبا له وهيلاري كلينتون وزيرة للخارجية ثم جاء بجون كيري خلفا لها بعد أن احترقت أوراقها نتيجة اغتيال السفير الأمريكي في ليبيا في مبنى القنصلية الأمريكية في بنغازي، وهؤلاء جميعا كانوا منافسين له في الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الديمقراطي لرئاسة الجمهورية، بعد أن تبادل الجميع أقذع الألفاظ والتهم في تلك الانتخابات.
جهل يتعلق بعدم قراءته للتاريخ العربي والتنوع الحضاري الذي ميّز عدة قرون من حكم العرب لأكثر من نصف العالم القديم حتى وصلوا إلى أوربا وخاصة الأندلس، تخلّلها نتاجْ فكريْ وفلسفيْ وأدبيْ، وعلوم في مختلف أبواب الرياضيات والفيزياء والكيمياء، لو قيس بحسابات ذلك الزمن وقورن بالوقت الحاضر، لوجد أن حركة العالم سلسلة متصلة من الانجازات العلمية والفكرية لا يمكن أن تنسب لأمة من الأمم، وكان للعرب الضوء الأكثر تألقا عن سائر من سبقهم من الأمم الأخرى أو لحق بهم، ومع ذلك فأوباما يشكو من أزمة انتماء عرقي إلى قارة ما زالت معظم شعوبها لا تعرف القراءة والكتابة التي اخترعها السومريون قبل عام 3600 ق .م، ولا يعرفون العجلة التي اخترعها العراقيون القدامى في التاريخ نفسه، وقبل أن تعرفها فارس بآلاف السنين، إذن فأوباما يتحدث بجهل مركب ولكنه يتحدث بعاطفة مجنونة عن قوم يدينون دين أبيه وكما يقول المثل "العِرقُ دساس"، ولأنه عجز عن الفخر ببلاده الأصلية التي ينتمي إليها في شرق أفريقيا فبحث عن شيء يفخر به لمجرد إيذاء العرب.
كما أن أوباما يتحدث بغباء مركب لا تشفع له شهادة الدكتوراه في القانون والتي حصل عليها من جامعة هارفارد "المعروفة بمستواها العلمي الراقي" في تجاوز خطأ معيب مثل هذا، لاسيما وأنه يشغل منصب رئيس أكبر دولة في العالم، وشخص يحتل هذا الموقع لا يجدر به أن يدلي بملاحظات سياسية على هذا المستوى من الحساسية، حتى لو كانت في اجتماعات مغلقة مع مستشاريه المقربين، فهل كان من المناسب أن يدلي بتلك الملاحظات الغبية في ظرف لم يعد فيه من الممكن اخفاء الحقائق، وخاصة أسرار قادة الدول والتي بات كشف بعض فصولها يدر أرباحا طائلة.
ثم انتقل إلى رونالد ريغان، ومن حق المراقب أن يسأل كيف استطاع تكوين تلك الفكرة الماجنة عن العرب؟ بل علينا أن نفهم دوافعها الحقيقية، لأنها لا تتعلق بالمشاعر كما ذهب أوباما بحماقته عندما أعرب عن كراهيته للعرب لأنهم بدو متخلفون، فتلك الفكرة تنم عن جهل أولاً وغباء ثانياً، صحيح أن ريغان "يفهم في السياسة كما أفهم في السينما" كما قال هنري كيسنجر، إلا أنه شغفه بالسينما جعله يطرح مشروع "حرب النجوم" الذي أدى لاحقا لانهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الشيوعية كلها، ومع ذلك أقول إن ملاحظات ريغان سياسية في غاية الخطورة، بناها الرئيس الأمريكي على حسابات دولة كبرى أقامت علاقاتها مع مختلف دول العالم على أساس المصالح العليا للولايات المتحدة، وهذه الملاحظات القديمة ينبغي أن تُدرس بعمق حتى لو تأخر ذلك أربعين سنة أو حتى أربعة قرون.
ولكن علينا أن نسأل أنفسنا هل أن مواقف الرؤساء الأمريكيين تختلف عن بعضها من حيث الجوهر حتى إذا اختلفت في مبرراتها؟
في تقديري أن رؤساء الولايات المتحدة بل معظم قادة الدول الغربية، يشاطرون أوباما وريغان رأيهما بشأن العلاقة بالعرب وتفضيل إيران على العرب جميعا، لأن إيران تتحدث بلغة سياسية اقتصادية واحدة ويتحدث العرب باثنتين وعشرين لغة متصادمة مع بعضها على الرغم من أنهم يرفعون شعارات الموقف العربي الموحد الذي لا نلمسه في أية قضية قومية، بل على العكس فإن النظم الرسمية تتآمر على بعضها وتنفق أموالا طائلة لإسقاط النظم المنافسة لها.
علينا أن نعترف بأن تلك الملاحظات، أي ملاحظات أوباما وريغان، يقع جانب كبير منها على عاتق حكام منطقة الجزيرة العربية والخليج العربي بالدرجة الأساس، وكثير من رؤساء الدول العربية، وخاصة في الممارسات البروتوكولية أثناء مراسم الاستقبال والتوديع لضيوفهم، ودعوات الغداء والعشاء التي يظن أولئك الحكام أنهم كلما أسرفوا في نحر الجمال وعرضوها بكامل هياكلها العظمية سيعدّ دليلا على كرم الوفادة وحسن الضيافة، وكأنهم يستعيدون مآدب حاتم الطائي ويعرضونها أمام زوارهم، مع فارق واحد وهو أن حاتم الطائي كان ينفق من ماله الخاص، في حين أنهم ينفقون من المال العام، لهذا ينظر الضيوف الرسميون إلى هذه الممارسات باستهجان شديد، باعتبارها بذخا وإسرافا في غير محلهما، والغريب في كل هذا أن أولئك الحكام مصرّون عليها إصرارا غبيا، على الرغم من أنه يلحق بهم وبنظمهم سمعة سيئة جدا، أما ما يُقدم من هدايا لرؤساء الدول والحكومات بملايين الدولارات فسوف تدخل في تفسير غربي لمن يقدمها بأن العرب لم يرتقوا إلى مستوى الدول المتحضرة التي تتعامل مع العصر الراهن بآلياته وقوانينه.
ليس هذا فقط وإنما الإثراء الفاحش الذي صار عليه أمراء الخليج العربي وحكامه، وإنفاق المال على موائد القمار وليالي المجون التي تلاحقها صحافة الغرب بشغف بالغ، على الرغم من أن المجتمعات الغربية هي نفسها التي تستدرج أولئك الطائشين إليها كي تستنزفهم حتى آخر دولار، ثم تحولهم إلى أضحوكة رخيصة لصحافتها، وتركز تقاريرها على أن الفقر منتشر على نطاق واسع مع تفشٍ للأمية في المجتمع، وهنا تنطلق التعقيبات عن انعدام العدالة في توزيع الثروة واستئثار الحكام والأمراء بالثروة وحرمان الشعب منها.
ولنذهب مع من يؤمن بهذه القناعات العنصرية المتحجرة، ونسأل ألا يوجد بلد عربي واحد يحمل الحد الأدنى مما يجعل ريغان يعتقد بأنه جدير بالصداقة أسوة بإيران التي دشن عهده معها بإجبارها على إطلاق سراح الدبلوماسيين الأمريكيين بعد حجز استمر 444 يوماً في مقر سفارة بلادهم في قلب طهران، هل كان عند ذاك يفكر بإيران بأنها بسلوكها الخارج عن القوانين الدولية والأخلاقية والقيم الإنسانية تمتلك سلاحا رادعا في علاقتها الخارجية؟ في حين أنه يعرف جيدا أن العرب بما يحملون من قيم وشهامة، يوفرون له ولبلاده طمأنينة تجعلهم في مأمن من أي سلوك مافيوي؟.
في تقديري أن العرب يعتمدون المبادئ في سلوكهم السياسي والدبلوماسي، وهذه المبادئ لم تعد هي السارية في العلاقات الدولية، مما أفقد العرب كثيرا من الفرص السياسية إضافة إلى تعاملهم العشائري في علاقاتهم مع الدول الأخرى.
وتبقى حقيقة واحدة تفرض نفسها على المشهد السياسي والدبلوماسي الدوليين، وهي أن المشروع النهضوي العربي، مشروع غير مسموح له بالنجاح في أي حال حتى لو اضطر العالم لاستخدام القوة من أجل منعه، وللغرب سجل سميك من الجرائم ضد المشروع النهضوي العربي، وهو ما حصل مع العراق منذ 1991 ثم فيما بعد احتلال العراق وضرب أهم ركيزة عربية في العصر الحديث، الغرب نفسه هو الذي يقمع كل فرص التطور العربي، ثم يستخدم التخلف كحجة لإدانة العرب والاستخفاف بهم.
هناك تحالف غير مقدس يجمع الدول الغربية بالحركة الصهيونية، بدأ بزرع الكيان الصهيوني في فلسطين، وجعل من إيران قوة إقليمية وأطلق يدها لتعبث بها وبالأمن القومي العربي والدولي، عبر أدواتها المحلية، ولهذا فليس لعبقرية إيران في المحافل الدولية وتخلف العرب عن استخدام الأدوات العصرية في التعامل مع العالم، تأثيرات على نسج قناعات عنصرية لدى رونالد ريغان أو باراك حسين أوباما، بل هي استراتيجية غربية راسخة تتألف من ثلاثة أضلاع، الأطلسي والصهيونية والصفوية.
وسوم: العدد 915