كمْ بيتًا قصيدتُك؟
قديما كنت إذا قلت لصديقي الشاعر الذي صار الآن ناقدا جامعيا خبيرا: نظمت أمس قصيدة! سألني متبسما: كم بيتا؟ فأجيب مطرقا: ...، سبعة! إذ لم أكن أجيد أكثر من مثل تحلة القسم عند من يرون عدد السبعة الحقيقي عتبة دخول الأبيات إلى باحة الشعر قصيدة معتبرة؛ ومن ثم كانوا يحسبون عيب الإيطاء بما دون السبعة؛ فإذا أعاد شاعر في قافية بيت من قصيدةٍ ذات سبعين بيتا، كلمةً كانت قبلَ أقلَّ من سبعة أبيات كلمةَ قافيةِ بيتٍ آخر- أوطأها لها، وأذلها عجزا عن أن يجد من حفظه ما يكفيها ويعزها! ولو كنت صبرت نفسي على مثل قصيدتي تلك تسع ليال أخر لظهر لصديقي على وجهي أثر اجتهادي؛ فهاب سؤالي؛ فالسبعون عشرة أمثال السبعة، عشرة كاملة أنا بها مُطيل مهيب!
لقد اشتغلت بالقصيدة ليلة واحدة، فبحت بأحد شجوني الحازبة متلهبا بمارج من العروض ومارج من اللغة، ثم اكتفيت. ولو كنت اشتغلت بها عشر ليال، فبحت بعشرة أشجان حازبة، واجتهدت أن تتلهب جميعا بمارج واحد من العروض ومارج واحد من اللغة- لكانت أغنى تفصيلا، وكنت بها أحظى تقديرا، مثلما كان شعراء المعلقات العشر الذين كان متوسط أبيات القصيدة من قصائدهم ٧٨.٠٩، على حين كان متوسط أبيات القصيدة من الشعر العربي العمودي كله ١٢.٦٢، حتى سمى الأنباري كتابه في شرح سبع منها "شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات"!
وسوم: العدد 916