كل الأحزاب السياسية التي تعلن عن مرجعيتها الإسلامية يكون إعلانها إما حجة لها أو حجة عليها
كل الأحزاب السياسية التي تعلن عن مرجعيتها الإسلامية يكون إعلانها إما حجة لها أو حجة عليها أمام الخالق سبحانه وأمام المخلوق
مما يجعل المقت يكبر عند الله عز وجل قول لا يترجمه فعل مصداقا لقوله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)) . ومعلوم أن المقت هو شدة البغض أو الكره ، وإذا كبر المقت مع ما فيه من شدة بغض ، فإنه يعظم ويجسم إذا كبر عند ذي العظمة سبحانه وتعالى ويكون أخطر ما يتهدد الممقوتين على الإطلاق .
ولقد قال المفسرون في سبب نزول هذه الآية ثلاثة أقول: أولها أنها نزلت فيمن كانوا يقولون لو علمنا أحب الأعمال إلى الله عز وجل لعملنا بها ثم قصروا في العمل بعدما علموا ، وثانيها أنها نزلت فيمن كانوا يدعون أعمالا لم يقوموا بها ، وثالثها أنها نزلت في المنافقين ، وقد رجح بعضهم أن الأصح هو القول الأول لأن الله تعالى خاطب بقوله مؤمنين وهو وصف ينزههم عن الكذب والنفاق .
و للنحاة في نصب كلمة " مقتا " ثلاثة أقوال حيث قدّر بعضهم قول الله تعالى (( كبر مقتا )) أنه " كبر مقتكم مقتا " ، وقدّره آخرون أنه " كبر ذلك مقتا " ، وقال غير هؤلاء إن مقتا منصوب على التفسير كقول القائل " كبر قولا هذا القول " والله أعلم بمراده .
وما يعنينا من أمر هذه الآية الكريمة بغض الطرف عن سبب نزولها أو وجوه نصب كلمة المقت فيها أن حكمها ينسحب على الذين آمنوا في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة .
وبناء على هذا يعتبر كل حزب سياسي يعلن عن مرجعيته الإسلامية أنه قد قال ما يلزمه فعله ،وهو التزام المبادىء الإسلامية واتخاذها خطوطا حمراء كما يقال لا يمكن أن يتخطاها بأية ذريعة مهما كانت تجنبا للمقت الحاصل بقول لا يترجم إلى عمل ، وهو ما حذر منه الله عز وجل .
وإذا كان الذين تمنوا معرفة أحب الأعمال إلى الله عز وجل ثم تقاعسوا لما علموا أن الجهاد في سبيل الله منها ، فإن الذين يختارون المرجعية الإسلامية لأحزابهم السياسية يعلمون مسبقا ما يلزمهم من احترام هذه المرجعية بحيث لا يقدمون على ما يخرمها أو ينقضها ، لأنها إما حجة لهم إن حافظوا عليها أوحجة عليهم إن ضيعوها .
ومما تقتضيه المرجعية الإسلامية أن الأحزاب التي تعلنها لا يمكنها أن تحل حراما أو تحرم حلالا أو بالتعبير القرآني لا يكون لها الخيرة إذا قضى الله ورسوله أمرا ، أو لا تقدم بين يديّ الله ورسوله ، ولا تبالي في ذلك بملامة لائم .
وعلى كل الأحزاب التي أعلنت مرجعيتها الإسلامية في الوطن العربي تحديدا أن تراجع نفسها في أمر تصريحها بهذه المرجعية مقدرة حجم هذا التصريح الذي لا يجب أن يكون عبثا أو مجرد شعار فارغ من مضمون يتسبب في مقت يكبر عند الله عز وجل وعند المؤمنين . وعلى هذه الأحزاب أيضا أن تقدر حجم الضرر الذي تلحقه أولا بالإسلام وثانيا بنفسها عندما تصير هذه المرجعية مجرد شعار فارغ تكذبه الوقائع .
وفي المقابل على الذين يقبلون بوجود أحزاب تصرح بمرجعيتها الإسلامية دون أن تخفيها سواء كانوا أنظمة أو أحزابا مثلها ألا يحاولوا عن سبق إصرار مساومتها في مرجعيتها من خلال وضعها في مواقف محرجة تجعلها مضطرة للدوس تحت أية ذريعة مهما كانت . وعلى هؤلاء أيضا أن يعلموا أن المجتمعات الناجحة هي ذات الفسيفساء الحزبية التي هي انعكاس لطبيعة إرادة شعوبها ،الشيء الذي لا يستقيم معه منطق الإقصاء ذلك أن جمال هذه الفسيفساء يختل إذا ما أقصي منها حزب من الأحزاب التي يلزمها جميعها خلق الاحترام المتبادل بعيدا عن كل مزايدة فيما بينها، وعن كل تلفيق للتهم أو التخوين أو التجريم أو التشويه ، وذلك في إطار المنافسة الشريفة والفاعلة لخدم الأوطان لا لخدمة مصالحها الخاصة أو خدمة مصالح الأنظمة التي لا تخدم الأوطان بل تستخدمها.
وإذا كان مجرد لعبة كلعبة كرة القدم على سبيل المثال يحسن فيها ما يسمى بالروح الرياضية، فالأجدر باللعبة السياسية أن تكون فيها مثل هذه الروح بحيث يعقب التنافس الشريف تهنئة الفائز برحابة صدر وبأريحية لا بسخط وحسد وتخوين وتشكيك واتهام، ولا تكون مقابل ذلك من الفائز شماتة بمن لم يفز.
وعلى الشعوب الواعية ألا تكون ضحية الدعايات الإعلامية المكشوفة والمغرضة والمجرمة لبعض أطراف الفسيفساء الحزبية لحساب البعض الآخر خصوصا إذا كانت على علم وخبرة سابقة بكل تلك الأطراف التي لا تخلو من عيوب كما لا تخلو من محاسن إذا ما التزمت النظرة الموضوعية البعيدة عن إقحام الاعتبارات المفسدة لها من تحيز أو تعصب أو شنآن أو تصفية حساب ... إلى غير ذلك من مفسدات الموضوعية والحقانية .
وأخيرا نقول إن المعيار الذي توزن به الأحزاب السياسية هو ما تقوم به من أعمال لا ما تقوله، لأن الأقوال دون أفعال مجلبة لمقت الله تعالى ومقت الناس ، ورحم الله ذا النورين الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه صاحب أقصر خطبة جمعة في التاريخ والتي حمد فيها الله تعالى، وأثنى عليه ، وصلى على رسوله عليه الصلاة والسلام ثم قال قولته الشهيرة : " أيها الناس أنتم في حاجة إلى رجل فعّال ولستم في حاجة إلى رجل قوّال " ولقد أرتج عليه يومئذ أي استغلق عليه الكلام وهو على المنبر لأنه كان يضع نصب عينيه قول الله تعالى : (( كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ))
وسوم: العدد 920