يحتكمون إلى غير شرع الله
[باختصار، من كتاب الجهاد، للدكتور محمد نعيم ياسين، ص 118 و119]
هذه صفة من أبرز صفات المنافقين، فهم يرغبون عن حكم الله تعالى إلى حكم أهل الجاهلية من الطواغيت. وخاصة إذا كانوا يخشون أن يُظهر حكم الله باطلَهم وظلمهم، ويُلزمهم بالحق. هكذا كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم كذلك في كل زمان. وقد قيل في سبب نزول آيات سورة النساء: (ألم ترَ إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليكَ وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت...) إلى قوله تعالى: (فلا وربّك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيتَ ويسلّموا تسليماً)، أنها نزلت في رجل من المنافقين ورجل من اليهود، كان بينهما خصومة، الحقُّ فيها لليهودي، فكان اليهودي يريد التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما يعلمه من عدله، وكان المنافق يريد التحاكم إلى بعض طواغيت الجاهلية (قيل إلى كعب بن الأشرف، وقيل إلى كاهن من الكهان). فأنزل الله تعالى تلك الآيات تبين كفر من لا يرضى بحكم الله وحكم رسوله، وتفضح المنافقين إلى يوم الساعة.
إن الله عز وجل قد حكم بكفر ونفاق أناس كرهوا التحاكم إلى شرعه في جزئية من الجزئيات، وأرادوا أن يتحاكموا إلى الطاغوت فيها، فكيف بمن يُدعَى إلى التحاكم إلى شرع الله في شؤون الحياة كلها، فيرفض ذلك، وهو يتظاهر بالإسلام، ويرغب عن شريعة الإسلام جملة واحدة، ويُهرع إلى استيراد الشرائع من الكفار في الشرق والغرب، فيحكم بحكمهم في الناس: في السياسة والاقتصاد، والعقوبات وغيرها، ويترك حكم الله في كل ذلك؟ فلعمر الحق إن نفاق هؤلاء وكفرهم لأشد من نفاق أولئك وكفرهم أضعافاً مضاعفة، لأن من رفض نظام الله المنزل لعباده جملة واحدة أعرقُ في الكفر ممن رغب عنه في قضية معينة تخصه دون غيره، وكلاهما كافر منافق في حكم الله عز وجل، وإن ادعى أنه مسلم.
وسوم: العدد 922