في المِحنة الأرمنية
حكاية من واقع الشعوب
سمعتها من صاحبها في حلب الجميلة ...
قال صاحبي واشتريت جهاز تسجيل "مسجلة" كما كنّا نقول يوم كان وجود مسجلة عند رجل يعني شيئا ، ويوم كنّا نحن الفتية نجتمع مجموعات عند أحد من أنعم الله عليه منا لنستمع إلى خطابات الأستاذ عصام العطار حفظه الله وأمتع به، التي كانت تصلنا تباعا من دمشق ، أو إلى أناشيد سيد نقشبندي بشكل خاص الذي كنّا لا نعدل بصوته ولا بأناشيده أحدا ولاسيما نشيده عن أهل الجهاد الذي أنشده في الجامع الكبير في حلب بضيافة الشيخ جميل العقاد رحم الله الجميع ، وكنا نشعر بالنشوة والشيخ يطيب للضيف بقوله ايوة يا كدع
الشعر كالمسك والصوت كالعسل فهذا نشيد كالعسل المذاب بماء المسك...
صاحبنا الذي امتلك المسجلة كان من أهل الهوى، محبا للهو الحديث ولغوه ، صاحب علاقات اجتماعية مفتوحة كشأن أكثر الناس في حلب تلك الأيام.
يحكي لنا انه عندما اشترى المسجلة، أكرمه من باعه إياها وكان أرمنياً بمجموعة جميلة من الأشرطة ؛ وان أكثر شيء أعجبه فيها شريط شديد الجمال باللغة الأرمنية ظل صاحبنا يطرب لسماعه دون أن يفهم معناه ..!! وهذا من علامات الطرب الأصيل!!
يقول صاحبي : وكان لي صاحب ارمني بيننا خلطة وألفة فصادفته يوما يتهيأ لحضور حفلة عائلية أرمنية خاصة به وبأسرته مناسبة فرح أسري وانه مستعجل للحاق بها
قال، قلت للرجل على سبيل الإتحاف عندي مسجلة ، وعندي شريط جميل كذا وكذا من شأنه وإذا شئت أعرتك المسجلة والشريط، فأجابني بل هاتها وتعال احضر معنا...
يقول الرجل وحضرت ... وجلست بين الناس متباهياً أنني صاحب المسجلة وبعد أن تقدمت بعض الفقرات في الحفل ومنها وجبة الغداء الأرمنية. والمائدة الأرمنية لا تقل زهوا عن المائدة الحلبية ، جاء دور الطرب ، وكان القوم قد استحضروا مطربهم وأدوات طربهم ولكن آثروا أن يبدؤوا بالشريط الذي عندي . قمت من مكاني وولفت كل شيء
وتحركت البكرة على محورها متثاقلة ثم لاحظت أن الضجة قد سكنت ، وأن وجوماً قد علا الوجوه ، وان دموعا بدأت تسيل على استحياء لم تلبث أن تحولت إلى نحيب ونواح ، شعرت بخطئي وامتلأت بالحرج قمت لأوقف تلك البكرة اللعينة، ولكن العجائز في المجلس أقسمن أن لا أفعل واستمر الغناء واستمر النحيب وصاحبي الذي كان يجلس بجواري كان يضع يده على ركبتي وبضغط برفق
أردت أن أقول إن كثيرا من الناس يطربون لنشيج الحناجر وخصوصا إذا لم يفهموه
وثائق القيصر استدرت كثيرا من الدموع ولكن المأساة لم تتوقف
نعم لم تكن إبادة جماعية بل كانت لعبة دولية ، وكان الروس أحد أطرافها ، وكان ضحاياها من الأرمن كثيرين ولكن من المسلمين أكثر ....
وسوم: العدد 926