خواطر خجولة حول القدس وفلسطين
قد ننسى أي قضية إلا قضية القدس وفلسطين لأنها ليست قضية سياسية أو جغرافية فحسب بل هي قضية عقيدة قبل أي اعتبار آخر...هذه هي مقاربتنا لها – نحن المسلمين – وهذه هي علاقتنا بها، وستبقى في عقولنا ووجداننا وعلى ألسنتنا، نكرر ذكرها ونعلمها للأجيال حتى يأذن الله بتحريرها حين نستجمع شروط النصر، وأتوقف هنا عند ثلاث محطات تذكريرية:
- لا يختلف أصحاب العقول السليمة في أن الذي يطيل عمر احتلال فلسطين، ويطيل عمر الكيان الصهيوني هي الأنظمة العربية الوظيفية المرتبطة وجودا وعدما برضا اليهود والأمريكان وسخطهم، فهي أنظمة غير شرعية - ملكية وجمهورية – تسيّرها غريزة حبّ البقاء، تقدم مكث الأسرة والجنرال والعشيرة في سدة الحكم على أي اعتبار آخر، لذلك وجدناها في قضية فلسطين تتراوح بين المتاجرة بها والتخلي عنها تماما، بحسب الظروف، وهي على كل حال تعدّها شوكة مسمومة وصداعا يؤرقها، تريد التخلص منها بأي ثمن، وآخر ثمن وصلته هو التطبيع مع الصهاينة مقابل دعمهم لها في مواجهة الشعوب العربية المتذمرة من المحيط إلى الخليج، وفي مواجهة دعاة الإصلاح الذين تتعالى أصواتهم في كل مكان...بناء على هذا قلّ حتى التنديد الرسمي بالممارسات الصهيونية وبيانات الشجب، وقد ضحكت ملء شدقي من ردّ فعل آخر الدول العربية تطبيعا (الإمارات، المغرب، السودان، البحرين)، فقد دعت "جميع الأطراف إلى ضبط النفس" !!! وأهاب حزب العدالة والتنمية المغربي - الذي وقّع اتفاق التطبيع – بالشعب أن يجمع التبرعات للمقدسيين!!! ثم تأتي مسرحية اجتماع الجامعة العربية ومجلس الأمن...والكلّ يلعن الفسلطييين وحماس لأنهم مشاغبون يعكرون صفو العلاقات الودية بين أبناء العمومة.
- نلاحظ بكل أسف وأسى كيف استطاع النظام السعودي – بواسطة شيوخ الوهابية – إنشاء جيل من المتدينين يسبحون بحمد الحُكام ومواقفهم مهما أوغلت في الخيانة، إلى حدّ الكفر بثوابت الدين، متدينون تغلب عليهم قسوة القلوب وإغلاق العقول، يقبلون بسهولة تصوير المعروف منكرا والمنكر معروفا، بمجرد أن تفتي بذلك السلفية الحكومية ويوافق هوى الحُكام، وأصبحنا أمام مشهد مؤسف غريب تحركه ثلاثة أطراف: حكام همّهم البقاء في السلطة وتوريثها مهما كان الثمن، وأصحاب عمائم جعلوا من طاعة "ولي الأمر" ركن الإسلام الأكبر، يسبحون بحمده ويلهجون بذكره، ويمنعون أي نقد له من أي كان، ومهما كان شكله، وأتباع أُشربوا بغض الإخوان المسلمين إلى درجة تفضيل الصهاينة عليهم بكل صراحة وتبجح...ومن هم في أعينهم الإخوان المسلمون؟ كلّ من ليس على ملّتهم، كل من يفرح بضرب الكيان الصهيوني، كل من يحب حماس، كل من يشجب الخيانة ...كل هؤلاء إخوان حتى لو لم يكونوا مسلمين أصلا !!! وفي هذا تندرج الحرب الكونية على الجماعة وبيان ما يُسمى هيئة كبار العلماء في تصنيفها لها جماعة إرهابية...هكذا حصوننا مهددة من داخلها، وباسم الإسلام وباسم القرآن والسنة، وقد أصبحت في بعض البلاد العربية توجد جاليات سعودية لها رؤوس جُهال يعينهم شيوخ أكثر منهم جهلا، بضاعتهم الوحيدة أنهم تخرجوا من الجامعات الدينية في ما يسمى "دولة التوحيد"، جاليات هي خلايا سرطاية تهدد نسيج البلد وكيان الأمة، يبدو أن أكبرها وأكثرها شراسة في الجزائر وليبيا.
ولا بد إذًا من جهاد علمي تربوي ثقافي قوي عميق لإعادة ترتيب هذه العقول وتمحيص مسألة الولاء والبراء وتحرير العقيدة من التلاعب السياسي حتى يفرح المسلمون بإصابة صواريخ القسام للجود الصهاينة لا بالتنديد بها على المنابر والتباكي على جنود الاحتلال، أما موقف بعض العلمانيين المعادي لحماس والمقاومة وفلسطين فلا أعلق عليه لأن الشيء من معدنه لا يستغرب.
- خلافا لما يتردد على الألسنة فإن الأمة في مجموعها بخير، وتحميلها وزر القضية الفلسطينية ليس منصفا ولا هو في محله، وقد أثبتت ألف مرة انحيازها للقضية ماديا ومعنويا، ولو فُتحت لها الأبواب ما تخلفت عن بذل الأموال والأنفس، لذلك يجب الخروج من دائرة جلد الذات والتلذذ بذلك وتمييع المسؤولية وتبرئة الأنظمة الحاكمة وشيوخ الضلال، ويكفي أن نلاحظ كيف أنه كلما أتيح للجماهير أن تعبّر عن رأيها انحازت إلى الإسلاميين والتنظيمات الإخواية تحديدا، واستجابت لنداءاتهم، وأعطتهم أصواتها، وهذا ما زاد في إثارة الأنظمة وشيوخها على الأمة وعلى الإخوان، وهم لا ينسون أنه لولا الخيانة لانتصرت كتائب الإخوان في حرب فلسطين الأولى، وهو ما لا ينساه الصهاينة، لذلك كلفوا حلفاءهم في المنطقة بقمع الأمة ورموزها التحريرية.
يقيننا المستقى من عقيدتنا أن فلسطين ستتحرر ، وان القدس ستطهّر، وأن الأقصى سيعود لنا ، ليس على يد سلطة رام الله أو المهرولين، لكن على يد جيل النصر الذي وصفه الله تعلى فقال " بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد"...هذا هو الجيل الذي يجب الإكباب على إعداده.
وسوم: العدد 929