نفسيات كشف غطاءها القرآن
- 2 -
الفرح بالنعمة واليأس عند البلاء
الإنسان يطلب النعيم، يرنو إلى تمتيع نفسه وحسه وجسده بألوان اللذائذ، فإذا ما ناله الخير استبشر، وسعد، وتهلل، وشاع الرضا والحبور في نفسه... أما إذا مسّه، فضلاً عن أن يتمكن منه، ضرٌّ أو شر اسودّت الدنيا في عينيه، وملأ اليأس قلبه، فهو يريد الحياة ضوءاً متلألئاً، وسناء مُشعاً، لا يشوبه ضعف أو خفوت..
فإذا ما عَفَتْ نعمة الله على آثار النقمة، ومكّن الله له بتحقيق أمله واستجابة رجائه انتفخ وانتفش زاعماً أن ما يرتع فيه من خصب وخير إنما مردّه إلى جهوده الشخصية وجهاده الفردي وأنه استحق ما حصل عليه بفضل عمله وكدّه وجهده وجدّه، ويغلو متخيلاً أن مكاسبه ستدوم ومنجزاته ستبقى...
(لا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ. وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَىٰ. فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ. وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ، وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيض). {سورة فصلت: 49-51}.
أمراض المدنيّة الحديثة ونعمة الحمد والرضى
والمدنية الحديثة بضجيجها وصخبها وماديتها الشرسة الجامحة وتكالبها المسعور المحموم قد بعثت القلق في النفوس وأورثتها أمراضاً أشاعت في الأجسام أسقاماً عزَّ علاجها..
والطب الحديث بمبعضه السحري ونظراته وتجاربه قد تحير أمام أدواء النفس، ولم تستطع عقاقيره أن تنفذ إلى الأعماق لتذيب ما تركز فيها من يأس، وما شاع بين أنحائها من ألم نفسي صبغ الحياة بلون أسود فاحم!.
والقرآن من قبل هذا كله قد حصّن النفس من أن يتسرب ظلام اليأس إلى أعماقها ويتمكن منها أخطبوط القلق بأنفاسه السامة، فشخّص العلاج في أكسيره الناجع: الحمد. الحمد بكل ما يحمله من معنى، وبكل ما يشيعه من أمان واطمئنان، وبكل ما يشعّه من رضا جعله علاجاً للقلق ودواء للاضطرابات والقنوط، فيسكن الاضطراب ويسكت القلق ويسكب الاطمئنان، فيفيء المؤمن الحامد إلى واحة فينانة من الرضا يستظل بظلالها ويتنفس الصعداء ويحس نسمات الأمن تهبُّ عليه رخيّة نديّة.
وحمدُ الله وقود روحي يصهر النفس ويزيل ما ران عليها من شوائب اليأس ويشحذ الأفئدة بفيضٍ من أمل وأمن ورضا وتفاؤل وراحة روحية.
وسوم: العدد 929