عظمة سيّدنا الأمير عبد القادر في وفائه بالعهود ولو مع الأعداء
- تابعت البارحة وبالصدفة الفضائية CANAL ALGERIEالنّاطقة باللّغة الفرنسية. وممّا ذكره الأستاذ الجزائري الذي أسمع له لأوّل مرّة -فيما أتذكر-، ولا يحضرني الآن اسمه.
- تحدّث الأستاذ بلغة فرنسية عالية، وتحدّث بلغة عربية فصحى في غاية الروعة والإتقان حين يتطلّب الأمر. وقد تابعت مخارج حروفه باللّغة العربية فكانت سليمة، عريقة، فصيحة تدلّ أنّه شرب اللّغة العربية منذ صغره، وما زال متمسّكا، ومفتخرا، ومعتزّا بها.
- قال: عرض أهل الشام على الأمير عبد القادر أن يكون سلطانا على العرب فرفض ذلك، وعرضت فرنسا عليه أن يكون سلطانا على العرب فرفض ذلك، والسبب -حسب الأستاذ الجزائري - أنّ الأمير عبد القادر كان يرى أنّه لايليق أن يكون أميرا ووطنه الجزائر تحت الاستدمار الفرنسي.
- أقول: لاأعتقد -حسب قراءاتي لحدّ الآن- أنّ سيّدنا الأمير عبد القادر رحمة الله عليه، ورضوان الله عليه كان يحمل هذا الفكر الذي ذكره الأستاذ الجزائري، إنّما رفض طلب أهل الشام أن يكون عليهم سلطانا لأنّه لايريد أن ينافس السلطان التركي يومها على سلطانه وهو الذي يملك المؤهلات التاريخية، والنسب، وحبّ النّاس إليه، ودعوة الجميع أن يكون سلطانا عليهم. وهي مؤهلات لايملكها السلطان العثماني ويعي جيّدا أنّه لايملكها. وهذه الأخلاق العالية السّامية هي التي دفعته لأن يكون سلطانا على العرب وقد جاءته السلطنه حبوا، وبطلب من فرنسا والعرب.
- أضيف: سبق لسكان المغرب أن طلبوا من سيّدنا الأمير عبد القادر أن يكون عليهم سلطانا عوض سلطانهم، وقد ألحوا في الطلب وألح في الرفض والسبب -في تقديري- أنّ الأمير عبد القادر رفض وبقوّة أن ينافس السلطان المغربي[1]، ويزيحه من الملك، ويحلّ محلّه وقد فتح له -في الأيّام الأولى- أرضه وأبوابه وداره ليحتمي بها ضدّ المستدمر الفرنسي، وقد كان ضيفه في تلك الأيّام القليلة. وظلّ سيّدنا الأمير عبد القادر محافظا على حرمة الجار، وقداسة صاحب الدار، ومكانة من يكرم الضيف. فما كان من الأمير عبد القادر إلاّ أن رفض طلب المغاربة ليكون عليهم سلطانا عوض سلطانهم المغربي[2].
- قال الأستاذ: أحد أبناء الأمير عبد القادر عاد من الشام وقد قاد مقاومة ضدّ المحتلّ سنة 1870، وانضم لمقاومات سنة 1871. واشتكى نابليون الثالث للأمير عبد القادر ابنه[3]، وتدخل الأمير عبد القادر لدى ابنه ونصحه قائلا: لاتستطيع محاربة الاستدمار الفرنسي بالأفراد القلائل الذين معك، وقد سبق أن خضت حروبا ضدّ الاحتلال بجيوش ولم أستطع الانتصار لأنّ فرنسا أقوى من جيشي، وممّا تملكه أنت من أفراد. ثمّ قال: حين تصبح قويا حارب فرنسا، أمّا الآن فلا.
- أقول: لاأوافق الأستاذ فيما ذكره لأنّ سبب رفض الأمير عبد القادر أن يحارب ابنه الاستدمار الفرنسي يعود -في تقديري- لكون الأمير أعطى عهدا للاستدمار الفرنسي أن لايحاربهم في الجزائر أو خارج الجزائر. وبما أنّه رجل يفي بالعهود فقد كان وفيا، ومتمسّكا بعهده الذي قطعه لعدو الأمس الذي قطعه له منذ سنة 1847 أي منذ الظروف التي دفعته للاستسلام، وعدم محاربة فرنسا. ولذلك رفض بقوّة أن يحارب ابنه –وأيّ فرد من أبنائه[4]- الاحتلال الفرنسي لأنّه يرى أنّ العهد الذي قطعه للمحتلّ بعدم الرجوع لمحاربته يدخل أيضا تحته ابنه[5]الذي تحت رعايته، ويحمل اسمه، وجهاده.
- قلتها وأعودها: من أراد أن يعرف مكانة سيّدنا الأمير عبد القادر فليقف مطوّلا على معنى الوفاء بالعهد[6]لديه. ومفتاح شخصيته هي الوفاء بالعهد. وكلّ حياته الشخصية، والعائلية، والعلمية، والعسكرية، والسلمية مبنية على عنصر الوفاء بالعهد[7]، من عرفه عرف الأمير ومن جهله جهل الأمير. وقد كتب صاحب الأسطر مقال[8] في هذا الشأن لمن أراد أن يعود إليه.
- القول أنّ الأمير عبد القادر بعد ذهابه للشام كان يفكّر غي محاربة الاستدمار الفرنسي قول مبالغ فيه، ولا أساس له من الصحة وهو الذي تعهد لفرنسا المحتلة وبخط اليد وعن قناعة وإيمان وحرية وتمام عقل وصحة ودين أن لايعود لمحاربتها من جديد، ولا يريد في سبيل ذلك دينارا ولا جاها ولا منصبا ولا ثروة حين حاولت فرنسا المحتلّة إغراءه بالمال كي لايعود لمحاربتها، فرفض كلّ الإغراءات وتمسّك بعهده الذي قطعه لفرنسا المحتلة ودون مقابل، ودون إغراء.
- وفّى سيّدنا الأمير عبد القادر في سله وحروبه، ومع أصدقائه وحلفائه وأعدائه. وقد فرضت عليه الحرب، ودخلها بأخلاق الأنبياء والرسل، ومن تمام أخلاق الأنبياء والرسل الوفاء بالعهد ومع عدو محتلّ مغتصب.
[1] للزيادة حول علاقة الأمير عبد القادر بالسلطان المغربي، راجع من فضلك: " تحفة الزّائر في مآثر الأمير عبد القادر وأخبار الجزائر" لمحمد بن الأمير عبد القادر، الجزء الأول، دار الوعي، رويبة، الجزائر، عني به الأستاذ داوود بخاري والأستاذ رابح قادري، الطبعة الثانية، 1436 هـ - 2015، من 613 صفحة
[2] للزيادة في هذا الشأن –وكمثال-، راجع من فضلك قالنا بعوان: "الأمير عبد القادر بين سلطان المغرب وملك فرنسا"، وبتاريخ: الثلاثاء17 رجب 1439 هـ الموافق لـ 03 أفريل 2017.
[3] أبناء الأمير عبد القادر لم يكونوا على قلب رجل واحد. وللزيادة راجع فضلك قالنا بعنوان: "أسرة الأمير عبد القادر بين السياسة العثمانية والسياسة الفرنسية"، وبتاريخ: السبت22 رمضان 1438، الموافق لـ 17 جوان 2017.
[4] لمعرفة المزيد حول أبناء سيّدنا الأمير عبد القادر وأسرته، راجع من فضلك: "أسرة الأمير عبد القادر في المشرق بين السياسة العثمانية والسياسة الفرنسية"، للأستاذة سومية بوراس، 2014-2015، جامعة قسنطينة2- جامعة عبد الحميد مهري، الجزائر، من 85 صفحة.
[5] للزيادة فيما يخصّ موقف سيّدنا الأمير عبد القادر من ابنه الذي حارب الاستدمار الفرنسي، راجع من فضلك: الأستاذ والمؤرّخ والمحقّق يحي بوعزيز رحمة الله عليه: "مع تاريخ الجزائر في الملتقيات الوطنية والدولية"، طبعة خاصة 2009، دار البصائر، الجزائر العاصمة، الجزائر، (وقد كانت الطبعة الأولى سنة 1991)، صفحة 2854:
[6] للزيادة حول قيمة العهد لدى سيّدنا الأمير عبد القادر وبشهادة السّ الفرسي، راجع من فضلك مقلنا بعنوان: "عظمة الأمير عبد القادر من خلال القسّ الفرنسي"، وبتاريخ: السبت22 رمضان 1441 هـ الموافق لـ 15 ماي 2020.
[7] للزيادة حول عظمة الأمير عبد القادر بشهادة القسّ الفرنسي، راجع من فضلك: ANTOINE Adolphe DUPUCH « ABD-EL-KADER L’LLUSTRE CAPTIF DU CHATEAU D’AMBOISE», Fondation EMIR ABDEELKADER, Edition DAHLAB, ALERIE, Contient 113 Pages.
[8] رجع من فضلك قالنا بعنوان: "الوفاء بالعهد لدى سيّدنا الأمير عبد القادر"، وبتاريخ: الإثمين 12 شوال 1442 هـ الموافق لـ 24 ماي 2021
وسوم: العدد 930