مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً
وجيز التفسير
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} - الآية 10 من سورة فاطر ، والمعنى بها ككل كتاب الله عجيب . والوقوف عنده معلَم من معالم طريق الحق ..
وقوله من كان يريد العزة ..
قال الفراء وما أجمل ما قال : من كان يريد عِلَمَ الطريقِ إلى العزة ، أي كيف أكون وتكون وتكونين ونكون أعزاء جميعا ..
والجواب الرباني: العزة الحقيقة لا تكون إلا عن طريق الله ، عزة النفس، وعزة الفرد ، وعزة الجماعة ، وعزة الدنيا ، وعزة الآخرة ، وعزة الإيمان ، وعزة السلطان ، كل أولئكم ينتهي طريقه الحقيقي إلى الله ..وكم من طاغية متكبر، وصاحب مال متسيد ، تذله نفسه الأمارة بالسوء ، فإذا هو ذليل أمام الشهوة والرغبة والطمع ..فالعزة الحقيقة إنما هي عزة الكينونة مع الله، والنزول على حكم الله، والتقلب في طاعة الله...فلله العزة جميعا وليس للخلق شيئا منها إلا بالتبعية ..
والعزة ليست في الاستطالة على الناس، لا بسلاح ولا بيد ولا لسان؛ وإنما هي دائما في مراقبة الله، والوقوف عند حدوده، والعمل حسب الخطة الموضوعة، والتي بلغنا إياها الرسول الأعظم والحبيب الأفخم ، الخطة التي بلغنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأرواحنا وقلوبنا وعقولنا وجوارحنا، ولكل أولئك فينا. نحن الأفراد، ونحن الجماعات ، ( شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) إن التزمنا أعزنا الله ، وإن فارقنا وكلنا لأنفسنا ..و
كل ذلكم من معنى قوله تعالى ( فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ) وجميعا ، حال مؤكدة ، حتى لا يظن ظان ، ويعتقد معتقد، أن " للغير " و "السوى" من أمر العزة الحقيقية شيء . والله الذي خلق للرحمة مائة سهم مثلا، ترك للمخلوقات من بعده سهما منها يتراحمون به، حتى ترفع الدابة رجلها عن ولدها رحمة به، ولكنه لم يترك - حسب منطوق هذه الآية ومفهومها - للناس من العزة شيئا، وهو معنى مؤكد في القرآن الكريم في أكثر من سياق ..
وقوله تعالى ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ )
وهذه الآية من أعظم ما قيل في " طيب الكلام " ..
والكَلِمُ جمع كلمة ، والهاء في "إليه" تومى إلى الملك العزيز المتعال الأول والآخر ...كلمتك الطيبة تصعد إليه، ( إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ) ..
فالكلمة المضمخة بنور الحق، المطيبة بعطر المعرفة؛ تنصر ضعيفا، تعين مظلوما، تدفع عن مسكين، تأمر بمعروف، تنهى عن منكر، تشكر محسنا، تنبه غافلا، تنكر على صاحب سلطان جائر ؛ صاعدة بلا وساطة إليه، سبحانه وتعالى ، والصعود في قوله " يصعد ، مجازي، وقولنا والقول الطيب يقع أول ما يقع - كما الصدقة الطيبة - في يد الله مجازي أيضا، وإنما يراد منا أن نعي عظم الحفاوة الربانية بالكلم الطيب يخرج من قلب ويصدر عن عقل ويترجمه لسان، فيطير بين الخلق نورا هاديا، وصراطا معلما يهدي الله به من اتبع رضوانه " سبل السلام "
( وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ..)
وتوقفوا عند هذه الواو . وقالوا وتم الكلام عند قوله إليه يصعد الكلم الطيب. ثم استأنف على معنى، والعمل الصالح الله يرفعه إليه، فكأن المعنى الكلم الطيب يملك خاصية الصعود الذاتية ، فالكلمة الطيبة يصعد فرعها في السماء ، وأسند فعل الصعود إليها ، إليه يصعد الكلم الطيب، وأما العمل الصالح فالله سبحانه وتعالى هو الذي يتولى رفعه حفاوة به أو تقرير حال له. واستغرقوا في المفاضلة ، على عادة الأولين ، بين ثنائية أيهما أثقل في ميزان الله القول أو العمل، متناسين أن الحال هو الذي يغشي كل منهما بملاءة حسنه، وان أعظم الجهاد ليس دائما الضرب بالسيف، وتقدم الصفوف، وإنما قد يكون أعظمه في كلمة حق عند سلطان جائر . ذلك من بعض معنى إليه يصعد الكلم الطيب.
وقالوا في قوله تعالى والعمل الصالح يرفعه .. أن الواو للعطف، وأعادو الهاء في يرفعه على الكلم الطيب، بمعنى أن العمل الصالح الذي يردف الكلم الطيب هو الذي يرفعه...
وتختتم الآية بالوعيد للذين يمكرون السيئات. ولمعاني " المكر " في القرآن الكريم تنزلات تستحق من فقه اللغة وفقه الشريعة وفقه الأدب مع الله جولات وجولات ...( وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ ).
وسوم: العدد 937