يجب أن يسري حكم طلب تولي المناصب أو الولايات والمسؤوليات على الترشح للانتخابات
من المعروف أن الشرع الإسلامي لا يبيح منصبا من المناصب أو ولاية من الولايات أو مسؤولية من المسؤوليات لمن يطلب ذلك أو يرغب فيه سواء كان ذلك تصريحا منه أم تلميحا كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري الذي قال فيه : " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمّي ، فقال أحدهما : يا رسول الله أمّرنا على بعض ما ولاّك الله عز وجل ، وقال الآخر مثل ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا والله لا نولّي هذا العمل أحدا سأله ، أو أحد حرص عليه " .
وهذا القسم من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على التشدد في استباحة المناصب أو المسؤوليات لمن يطلبونها أو يرغبون فيها ، وهو في نفس الوقت حرص على صيانتها ممن يريدونها من أجل مصالحهم الشخصية وليس من أجل الصالح العام .
وقد منع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمكين نوعين من الناس من المناصب أو المسؤوليات أو الولايات بالمعنى الشرعي، وهما من يسألها أو يطلبها أو من يحرص عليها سواء كان ذلك تصريحا أو تلميحا .
ولقد ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا التشريع ليظل في أمة الإسلام إلى قيام الساعة . ومعلوم أن تعطيله تترتب عنه مصائب بل معضلات لا حل لها كما يشهد على ذلك ماضي وحاضر المسلمين .
ومعلوم أن الولايات أو المسؤوليات أو المناصب في الإسلام تعطى لمن تتوفر فيهم شروط معينة ،نذكر منها تحديدا النزاهة أولا وهي مرتبطة بحسن إسلام صاحبها لأن من استقام مع الخالق سبحانه وتعالى كان مستقيما مع خلقه بالضرورة ،لأنه يراعي معية ورقابة خالقه قبل رقابة خلقه ، وثانيا الكفاءة والأهلية وهما مرتبطتان بالعلم والمعرفة والخبرة والتخصص بشهادة أهل العلم والخبرة والتخصص أيضا . ومع وجود شروط أخرى قد يكتفى بهذين الشرطين.
ولقد كانت المسؤوليات زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وزمن الخلفاء الراشدين ،وزمن التابعين وهي أفضل الفترات تعطى من طرف أهل الحل والعقد وقد كان أولهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يوجه بوحي من الله عز وجل ، ثم تلاه الخلفاء الراشدون الذي كانوا على هديه يجتهدون على ضوئه ، ثم تلاهم التابعون لهم بإحسان ، ولم يخرج عن هذا الهدي إلا من جاء بعدهم مع تراخي الزمن ، حيث تأثر المسلمون بغيرهم من الأمم في إسناد المسؤوليات أو الولايات أو المناصب على أسس غير الأسس التي شرعا الإسلام .
ولما خضعت بلاد المسلمين للاحتلال الغربي في القرنين التاسع عشر والعشرين ،سرت فيها شرائع المحتل في إسناد المسؤوليات علما بأن المحتل كان يولّيها من يخدم احتلاله ومصالحه قبل مصالح البلاد التي يحتلها .
و بعد جلاء الاحتلال ومع مرور الزمن صار تولي المسؤوليات في بلاد المسلمين عبر اجتياز مباريات تفتح في وجوه من لهم شهادات في مختلف المعارف والتخصصات ، وهذا إذا ما تم بنزاهة قد يحقق شيئا من شروط تولي المسؤوليات، وهو الكفاءة والأهلية لكن يبقى شرط مهم غائبا، وهو حسن التدين والاستقامة لله عز وجل ، وهو ما يشار إليه اليوم بما يسمى السجلات العدلية التي يشترط فيها الخلو من الجنايات والمتبعات القضائية ، وهو أمر لا يعني بالضرورة حسن الإسلام والاستقامة لله تعالى .
وإذا كان سلف الأمة قد دأبوا على عدم طلب المناصب أو الحرص عليها حيث كان بعضهم يحاول التملص منها عندما تسند إليه دون أن يطلبها مخافة التقصير فيها عملا بالتوجيه النبوي ، فإن الناس بعدهم صاروا يطلبونها ويحرصون عليها، ولا أحد منهم يشفق على نفسه منها بل يلح في إظهار رغبته فيها وحرصه عليها ، وقد يطلبها ولا كفاءة ولا أهلية له بل قد يصل إليه بطرق غير مشروعة لا داعي للتفصيل فيها لأنها أشهر من أن يفصل فيها .
ولا شك أن الترشح للانتخابات ينسحب عليه ما ينسحب على طلب المناصب والمسؤوليات والولايات ، ذلك أن كل مترشح لها لا يخلو من أن يكون في حكم طالبها أو حريص عليها لحاجة في نفسه لا تخرج عن إطار حرصه على تحقيق مصالح ومنافع شخصية يموّه عليها بادعاء رغبته في خدمة الصالح العام ، وقد أكد الواقع هذا في السابق ، وهو ما لا ينكره إلا جاحد أو معاند .
والمترشحون للانتخابات أنواع نذكر منهم النوع الذي يكون بطالا أو عاطلا لا عمل ولا شغل له ، فيرى في ترشحه فرصة شغل أو عمل ، وهذا لا يجب أن يسمح له بالترشح ،لأنه في حكم المصرح يطلبها بالحال والمقال .
ومنهم النوع الذي يكون صاحب مشاريع يرى أن نجاحها وصيانتها يكون بترشحه للانتخابات ، وهذا أيضا في حكم المصرح بطلبها بحاله ومقاله وإن موّه على ذلك بكونه في غنى عما وراءها من مصالح شخصية .
ومنهم من ليس ببطال ولا بذي ثروة ومال ،وإنما هو صاحب رغبة في رخصة تعفيه من ممارسة وظيفته بذريعة تفرغه لتدبير الشأن العام إما في البرلمان أو في الجهات والمقاطعات ، وهذا النوع واضح أيضا غرضه من خوض غمار الانتخابات وإن موّه عليها بمبررات على رأسها خدمة الصالح العام ، ذلك أن الماضي قد سجل حالات لمثل هؤلاء حيث دخلوا الانتخابات بدعوى خدمة الصالح العام وخدمة الوطن ، وانتهى بهم الأمر إلى فضائح .
ومنهم من يرى في خوض الانتخابات مكسبا معنويا يمكنه من شهرة في وسطه الاجتماعي ، ولا يخلو أيضا من مكاسب مادية ما ظهر منها وما خفي ، ورب علاقة تربطه بمسؤولين كبار كان يحلم بالتقرب منهم تكون عنده على رأس المكاسب التي يحلم بها .
وأخيرا منهم مسؤولون يستغلون مناصبهم في الترشح للانتخابات إما من أجل الاحتفاظ بمناصبهم أو طمعا في مناصب أخرى أو لإنهاء مشوار مسؤوليتهم في البرلمان وما يخوله لهم من حصانة وسياحة وتقاعد ...أو غير ذلك ,
ووسيلة معظم من لا أهلية ولا كفاءة ولا علم ولا خبرة ولا تخصص لهم لخوض غمار الانتخابات الطرق الوسخة أو غير النظيفة حيث يعمدون إلى شراء الأصوات إما بالمال أو بغيره ، وللماضي أيضا شواهد على ذلك غير خافية على أحد .
وهؤلاء كلهم يبيعون الأحلام للناس ، ويقدمون لهم مشاريع خيالية أو وهمية تسيل لعاب السذج والمغفلين الذين يساقون سوق القطعان وقد عطلوا عقولهم إذ لو شغلوها قليلا لتبينت لهم حقائق تلك المشاريع السرابية أو العرقوبية نسبة إلى عرقوب أو الحنينة نسبة إلى الإسكافي صاحب الخفين الشهيرين ،ذلك أن معظم المنتخبين يستغلون طمع من يصوتون عليهم ، ويصدقون مشاريعهم الكاذبة فلا يعود هؤلاء إلا بما عاد به الأعرابي الذي ضيع ناقته وما كان على ظهرها مقابل خفي حنين .
وإذا كان البعض ينادي بنظافة الانتخابات ، فإن أو هذه النظافة ألا يترشح طامع فيها أو حريص عليها من أجل مصلحة خاصة سواء كانت مادية أو معنوية ، وأن يتوفر في كل مترشح حسن إسلامه واستقامته لربه ، مع العلم والخبرة والكفاءة والأهلية . وهما شرطان يحكم بهما من ولاهم الله عز وجل أمر مراقبة نزاهة الانتخابات . وكل من لم يتوفر فيه هذان الشرطان ينسحب عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنا والله لا نولّي هذا العمل أحدا سأله أو أحدا حرص عليه " . ومن شاء ان يخالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فليفعل ما شاء ،ولكنه لا يجب أن ينسى مساءلته بين يدي الله عز وجل يوم يقوم الناس لرب العالمين ، ولا نجاة يومئذ إلا لمن جاء ربه بقلب سليم .
وسوم: العدد 942