إسرائيل وافريقيا… خدمة الاستبداد وصناعة الخوف
صيف 2016 وفي العاصمة الزامبية لوساكا، كانت تظهر بوضوح مسألة التنافس على افريقيا، فالصينيون يستحوذون على مشاريع إنشائية وصناعية كبيرة، وتوجد إسرائيل من خلال الخدمات الطبية والتكنولوجيا، الأوروبيون يعملون في مجال التنمية ومشروعاتهم المختلفة، والأتراك يعلنون في الصحف عن كثير من المنح المتاحة في جامعاتهم، وسيارات قطر الخيرية تظهر بين حين وآخر، والأمر لم يكن مختلفاً في العاصمة الكينية نيروبي، ولم تكن ثمة حاجة لمزيد من الارتحال في افريقيا لإدراك طبيعة التنافس المحموم، فالعاملون في مجال التنمية، الذين تنقلوا في دول افريقية أخرى كانوا يتحدثون أثناء الأنشطة الاجتماعية التي تجمعهم، عن مشهد تعزز فكرة السباق على افريقيا.
وأخيراً تتمكن إسرائيل من إنجاز خطوة مهمة وتنضم إلى الاتحاد الافريقي بصفة مراقب، وهو المسعى الذي حاولت الجزائر أن تجهضه، بدون فائدة نتيجة العلاقات الوثيقة التي أصبحت تربط إسرائيل بالدول الافريقية جنوب الصحراء، ليتزامن ذلك مع انشغال الجزائر في حصتها من حرائق الغابات التي تلتهم مناطق واسعة في حوض المتوسط، ويخفت الاحتجاج الجزائري تجاه تمرير الوجود الإسرائيلي، بوصفه أمراً واقعاً سعت إثيوبيا إلى تمريره، بما تشكله من ثقل على مستوى افريقيا السمراء.
تمتلك إسرائيل ما تقدمه للأنظمة الافريقية في صورة خدمات أمنية، وشبكات تجسس وسيطرة على الشعوب، وأمام أنظمة ذات طبيعة استبدادية، يمكن أن تلوح دائماً بمخاوفها من الانقلابات والحروب الأهلية تظهر الحاجة لهذه الخدمات، وإسرائيل التي تباهي بديمقراطيتها على المستوى الداخلي، مستعدة لأن تقدم خدمات للمستبدين بصورة مستمرة، فهي دولة تقوم على ثقافة وظيفية بررت طويلاً التعامل الربوي، واستطاعت أن تسيطر من خلاله على حركة رؤوس الأموال في العالم، مع أن هذه التعاملات محرمة بين اليهود أنفسهم. الأرض المفتوحة في افريقيا يمكن أن تجد مستثمرين بصورة دائمة، فإثيوبيا وغيرها دول استقطبت استثمارات هائلة، جزء كبير منها أتى من دول عربية، والاستثمارات الإسرائيلية في افريقيا لا تمثل حصة مؤثرة، وتتبقى الخدمات التي تحتكرها إسرائيل في مجال التكنولوجيا، خاصة التجسس والتسلح، وتتغافل المجموعة الافريقية التي دعمت انضمام اسرائيل إلى الاتحاد الافريقي، عن أنها ترحب بعضو من مصلحته استمرار التأزم الاستراتيجي والأمني بين الدول الافريقية، وأنه ينظر لافريقيا بوصفها سوقاً مناسباً ونهماً للتكنولوجيا الحديثة في هذه المجالات. استطاعت اسرائيل أن تتقدم بخطوات هائلة على مستوى التطبيع من خلال تجارتها بالخوف، فقدمت إيران بوصفها شبحاً يخيم على المنطقة، مستعداً لالتهامها، وتحول رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو إلى مدرس فيزياء، وهو يقدم على لوحة توضيحية في مجلس الأمن، أن ايران قطعت 90% من طريقها لتصنيع القنبلة النووية، وهو الأمر الذي لم يتحقق بالمناسبة، ولا يبدو تحقيقه ليغير شيئاً من الواقع في المنطقة، الذي يشهد استثماراً واسعاً في استنزاف الدول العربية وإيران معاً من خلال تغذية الصراع بدلاً من مواجهته. نتنياهو نفسه تحول إلى مندوب مبيعات محنك، وهو يقدم التكنولوجيا الإسرائيلية في مجالات الأمن، وكان الأمن في شبكات المعلومات والاتصالات التي قدمت رافعة مهمة لثورات الربيع العربي، عاملاً مضافاً للانفتاح على إسرائيل لتجنب عدوى الاحتجاج في الدول العربية، فأصبحت إسرائيل مورداً مهماً لهذه التكنولوجيا، كما كشفت فضيحة بيغاسوس الأخيرة، ولم تتمكن إسرائيل من إتاحة قدر هائل من المعلومات للمستفيدين من هذه التكنولوجيا، بل حصلت على حصتها من هذه المعلومات في مكاسب مجانية هائلة.
تمتلك إسرائيل ما تقدمه لأنظمة ذات طبيعة استبدادية في صورة خدمات أمنية، وشبكات تجسس وسيطرة على الشعوب
موجة التطبيع العربي الأخيرة، أسهمت في تمكين إسرائيل من التقدم بخطوة عملية للوجود في الاتحاد الافريقي، وهي خطوة شكلية وغير مهمة نظراً لوجود علاقات وثيقة مع كثير من الدول الأعضاء، إلا أنها ذات قيمة معنوية كبيرة نظراً للضرر الذي أخذ يلحق بصورة إسرائيل مع اعتداءاتها المستمرة على الفلسطينيين، ووجود حالة تململ في المجتمع الدولي من العنف الإسرائيلي الممنهج، كما أن افريقيا التي عانت طويلاً من العنصرية بمنحها إسرائيل صفة المراقب في اتحادها تقدم صكاً للغفران يمكن لإسرائيل أن توظفه في مواجهة من يتهمونها بممارسة الفصل العنصري، ومن التقاء هذين العاملين كان التوقيت مناسباً لهذه الخطوة.
تبقى الجهود الجزائرية محلاً لتقدير كبير، لكنها كانت محكومة بالفشل منذ البداية، فالفراغ الذي تركته المجموعة العربية في افريقيا، بعد الانكفاء المتتابع لمصر والجزائر والمغرب تجاه شؤونها المحلية، كان ينتظر مشرعاً أبوابه لقدوم إسرائيل وطرحها لمشروعات التعاون، وكم كانت هذه الخطوة بعيدة عن التصور في حالة وجود ليبيا القذافي، ويبقى السؤال حول قدرة الجزائر الانسحاب من الاتحاد الافريقي، وهو الأمر المختلف عن انسحاب رياضيها من المنافسة مع الإسرائيليين في الأولمبياد، وهو الأمر الذي أثاره الإعلامي الإسرائيلي بصورة مستفزة في واحدة من تدويناته، والحقيقة، أن الجزائر تستطيع أن تفعل ذلك، فهي دولة تمتلك بدائل كثيرة، لكن المشكلة أن خروج الجزائر من الاتحاد سيفتت الكتلة التي يمكن أن تتشكل من أجل مقاومة الوجود الإسرائيلي والضغط على إسرائيل وإحراجها، وهي كتلة تضم دولا افريقية مهمة مثل نيجيريا وتنزانيا وجنوب افريقيا، والجزائر ليست مطالبة بصناعة مزيد من الفراغ لمصلحة إسرائيل.
وسوم: العدد 942