طالبان وأفغانستان في عين عاصفة الأعداء
لا حديث للعالم منذ أسبوع إلا أحداث أفغانستان التي سيطرت فيها طالبان على البلاد في انتصار سريع خاطف بعد 20 عاما من الاحتلال الأميركي المعزز من حلف الناتو وعدد من الدول ، ومنها العربية .. في أميركا نواح ولطم خدود وشق جيوب ،وتصفية حسابات شخصية وحزبية . ترامب يتهم بايدن بالانهزام المذل ، ويطالبه بالاستقالة انتقاما منه لإخفاقه أمامه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة . وإسرائيل مرتاعة من توابع الهزيمة الأميركية ، وتتخوف من تكرارها بصورة أو بأخرى في سوريا والعراق ، وتجتهد لاستثمارها في توثيق وشائجها مع ما تسميه الدول العربية السنية المعتدلة لوقف ما تزعمه خطرا مشتركا على الطرفين من طالبان . وتتخوف قاصدة عامدة من احتمال تعرض دول الخليج إلى أعمال " إرهابية " تقوم بها طالبان وحماس ، وما من أحد يجهل أن طالبان وحماس لم تقوما يوما بأي نشاط عسكري مهما كان تصنيفه خارج حدود بلديهما ، وأن البعيد المستحيل أن تقوما به في دولة خليجية ، لكنها وسيلة إسرائيل الدائمة في الصيد في المياه العكرة مثلما فعلت وما فتئت تفعل في خرافة الخطر الإيراني على دول الخليج التي تتخذها مدخلا لتوثيق العلاقات معها لكونهما مثلما تدعي يواجهان خطرا واحدا . ويقترح إسحق ليفانون سفيرها الأسبق في مصر إدخال مصر والمغرب في حُمَى العداء لطالبان . إنها تطلب من الجميع تجاهل احتلالها ، بل اغتصابها لفلسطين ، والاندماج معها في عداوات وصراعات ملفقة . وتهب الآن على أفغانستان التي تصنف واحدة من أفقر بلدان العالم عواصف حصارات مالية واقتصادية وتجارية لخنقها ، وترافقها عاصفة إعلامية لتشويه سمعة طالبان . البنك الدولي قرر حرمان أفغانستان من حقوق السحب ، وشركة ويسترن يونيون للتحويلات المالية أوقفت التحويلات المالية التي يقوم بها الأفغان العاملون في الخارج ، وقدر ما حول منها في العام الفائت ب 789 مليون دولار ، وألمانيا أوقفت مساعداتها الخاصة بالتنمية . وكل هذا عقاب للشعب الأفغاني الذي حرر نفسه من احتلال أميركا والناتو وأتباعهما من الدول المنقوصة السيادة المفقودة الإرادة . التحرر من الاحتلال ذنب لا يغتفر من المحتلين ، وإذا ما طردوا عسكريا فسيواصلون الاحتلال سياسيا وماليا واقتصاديا وتجاريا ، فطالبان وأفغانستان الآن في عين عاصفة شاملة . وفوق هذه العقوبات ، الأعداء لن يتركوا الاثنتين . سيحركون بواعث الخلاف والانقسام الداخلية التي سيجدون مفجرات لها في رفض فئات من المجتمع الأفغاني لحكم طالبان ، وفي التنوع العرقي للبلاد البالغ عشرين عرقية ، وفي مشقة النهوض والبناء بعد 42 عاما من الحروب والصراعات والخراب . وفعلا تحرك ابن مسعود شاه في وادي بانشير شمال شرقي البلاد ضد طالبان . ومهمتها الآن ومهمة غالبية الشعب الأفغاني الثبات في وجه هذه العاصفة ، بل العواصف الآخذة في الاشتداد . التحرر من قوى الظلم بكل أنواعها ، خارجية أو داخلية أو الاثنتين معا ، ليس سهلا ميسرا . والغرب الاستعماري بقيادة أميركا يتربص بدول كبرى راسخة مثل روسيا والصين ، فكيف لا يتربص بدول ضعيفة منهكة مثل أفغانستان ؟! وتظهر طالبان نضجا يبشر باختلاف تجربتها الثانية في الحكم عن تجربتها الأولى التي دامت من 1996 إلى 2001 عام الاحتلال الأميركي . ومن تأثيرات هذا النضج أن يكون معينا فعالا لها على إدارة البلاد إدارة توحدها ولا تفرقها . ويمكنها أن تجد عونا على استقرارها السياسي والاقتصادي والأمني في جوارها الصيني وجمهوريات الاتحاد السوفيتي المستقلة وروسيا وباكستان وإيران . ومهما كانت المشكلات مع هذا الجوار فلن تكون على شيء من السوء يقارن بخطورة العداء الغربي الذي لم تعرف منه طوال قرنين سوى الحروب والصراعات والويلات والدماء والفقر والتمزق والتخلف في كل شيء رغم ثرواتها الطبيعية الكبيرة المتنوعة . وانتصار طالبان وأفغانستان على الغرب العدواني يلزمهما بانتصار ثانٍ على الذات ، وعلى تحرشات هذا الغرب لخلق أفغانستان جديدة آمنة موحدة حاضنة لكل مواطنيها ، ولها قدوة هادية في فيتنام التي هشمت أنف أميركا في 1975 وأجبرتها على انسحاب أكثر مهانة وإذلالا من انسحابها الأخير . فيتنام الآن دولة مستقرة وذات اقتصاد متنوع مزدهر ، وأمنها تام عام .
وسوم: العدد 943