معارك الشعوب ورجالها والطبقات التي تتحملها
تخوض الشعوب المستضعفة المغلوبة على أمرها معاركها على ثلاثة مستويات، أو في ثلاثة مضامير...
الأول معركة التحرير من المحتل الأجنبي، تحت أي راية كان الاحتلال، ولو كان تحت عنوان تجميلي اسمه " الاستعمار".
والشريحة المجتمعية التي تباشر هذه المعركة عمليا هي الأشد شكيمة، والأبقى عزيمة، طبقة من الناس لا تقبل كثير قيل وقال.. وهذه الطبقة أشد ندرة في الأمم والشعوب والمجتمعات من الكبريت الأحمر منهم كان جيل صلاح الدين، كانوا يجتهدون في مصر الشام ونزلاء قصر " الخلافة " في بغداد لا يدرون. ومنهم في العصر الحديث ثوار الجزائر على مدى قرن وثلث القرن، ومنهم كان جيل عمر المختار، ومنهم كان ثوار فيتنام ثاروا ضد الفرنسيين والأمريكان، ومنهم كان ثوار أفغانستان ضد السوفييت والأمريكان حلقة بعد أخرى. هذه الطبقة من الناس ومشروعها تحرير الأرض من المحتل لا يقال فيه متطرف ولا متقلط ..لا يطيق مشروعها إلا الأقلون وكلما ازدادت شراسة المحتل وقدراته وتمكنه ازدادت معارك هؤلاء الناس شراسة وصعوبة ..
أسمع بعض التقارير أن الأمريكيين يبكون على ٢٥٠٠ عسكري في أفغانستان، فإذا صحت التقارير، فعن أي ميزان ضحايا أو تطرف أو تقلط يتحدث المتحدثون ؟؟؟
والمستوى الثاني من معارك التحرر، ففي الأول يتم تحرير الأرض وفِي الثاني تتحرر الإرادة ..
وهي المعارك التي تخوضها الشعوب ضد الطغاة والمستبدين، وتختلف التركيبة المجتمعية التي تحمل هذا المشروع باختلاف شراسة المستبد وتوحشه وطغيانه،
ففي الوقت الذي كانت ثورة تونس أشبه برحلة كشافة، كان الأمر بمصر أشبه بعملية تحد شملت الصبر وقوة الإرادة، ثم كان الأمر في اليمن وليبية وسورية على ما نرى.
المعركة في سورية كانت أشد مراسا من معارك التحرير الفيتنامية أو الأفغانية بكل ضراوة تلك المعارك وتوحشها. ولا سيما حين استجلب بشار الأسد المحتلين واستعان بجيوش الغرباء،، فاندمجت في سورية معركة التحرير مع معركة التحرر!!
أبتسم حين أسمع بعض المعارضين - نصف كم- يزعمون أن الأشد بأسا، والأمضى عزيمة، في سورية قد فرضوا شعاراتهم الإسلامية على الثورة "فأسلموها" !!! وهذا توصيف خاطئ لواقع لا يحسنون تشخيصه، ولو كان بشار الأسد في ميوعة ابن علي، وطراوة مبارك لما هاجر من سورية ملايين الناس هؤلاء الناس!!
ولو كان نظام بشار الأسد أقل توحشا لوجد هؤلاء المعارضون المثقفون، الذين يملؤون الفضاء بالحديث عن الوطنية والديمقراطية منابرهم على وسائل إعلام دولتهم وليس فقط عبر روابط الزوم يمارسون معارضتهم عليها عبر العالم ، وبعضهم بالأسماء المستعارة !! لو كان بشار الأسد أقل إجراما لاستمرت المظاهرات السلمية والنماذج من أمثال غياث مطر تقود المظاهرات على الأرض السورية...
لم يتح بشار الأسد للمتظاهرين السلميين فرصة ليستمروا في سقيا الجنود السوريين، ولا لرشقهم بالزهور ، ولا بإنشاد : جنة ... جنة ..جنة جنة يا وطنا ...
الظالم المستبد هو الذي أبعد هذه الشريحة الوطنية عن الساحة العملية بتسخينها وليس غيره، والذين يخلطون عن بشار الأسد يدافعون ...
السباحة في المسابح المكيفة!! أو في البحار المفتوحة!! يتنافس فيها السباحون، أما السباحة في المستنقعات وفِي الطين والوشل بل " السباحة في المازوت" وفتح العينين فيه، كما يقول السوريون لا يطيقها كثير من الناس أمثالي، وكوني لا أطيق أمرا ولا أقدر عليه لا يسمح لي؛ أن أعيب الذين يقدرون عليه ويتحملون عبأه. وهذا ما يفعله كثير من السوريين الذين لا يطيقون..
كنّا نتمنى أن نجد في الساحة السورية فصائل تشي غيفارا ، وكتائب هوشي منه، وكتيبة جان دارك، ولواء لكل الملل التي ازدحمت على مقاعد الائتلاف الوطني، لننصر الثورة لا لتقاتل الثوار وتعين على السوريين.
والمضمار الثالث من مضامير معارك الشعوب، "معركة البناء" . معركة المشروع الذي لا يطرح قبل أن تحسم المعركتان السابقتان ، ولا يُختلف فيه قبل ان ننتصر في سابقيه، وهو الذي يتميز فيه الناس بمشروعاتهم ونتائجها وحساب جدواها ..
وهذا الذي يرهق الواقع السوري فيه أن أناسا لا يملكون من سلة البيض الوطني غير بيضتين، ليستا من كسبهما، وإنما وراثة عن أبيهما، ويبدئون ويعيدون الحديث فيه..
وسوم: العدد 943