التجربة السياسية للحركة الاسلامية في سورية، عصام العطار أنموذجا
نشأ عصام العطار في كنف والده القاضي محمد رضا العطار الذي كان مؤيدا لسياسة السلطان عبد الحميد، وجهوده في عودة دولة الخلافة العثمانية قوية رائدة، وقد وقف ضد سياسة جمعية الاتحاد والترقي التي كانت تهدف الى اثارة النعرات القومية، فأعدمت شهداء السادس من أيار، واتبعت سياسة التتريك ...
تعلم عصام العطار من والده حب الجامعة الاسلامية ومعاداة النزعات القومية ( الطورانية).. وغيرها.
شارك عصام العطار في بعض الفعاليات التي قامت بها جمعية الشبان المسلمين في دمشق التي تأسست عام 1936م، وعملت الجمعية على مقاومة التبشير.
وحين اتحدت بعض الجمعيات الاسلامية؛ لتشكل جماعة شباب محمد صلى الله عليه وسلم كان العطار من أبرز ناشطيها.
وانتسب الى جماعة الاخوان المسلمين منذ تأسيسها عام 1945م...وتدرج في مناصبها حتى أصبح رئيسا لمركز دمشق. ونائبا للمراقب العام.
وكتب المقالات السياسية ونشرها في جريدة المنار الدمشقية التي كان يرأس تحرير بشير حمدي العوف.
وفي عام 1947م دعم عصام العطار المشاركة السياسية في الانتخابات البرلمانية حيث وقف الى جانب الأستاذ محمد المبارك، وخطب في فعاليات ترشيح الشيخ علي الطنطاوي، وبرز في فن الخطابة حتى سماه الطنطاوي ( نابغة الخطباء).
وقف عصام العطار ضد انقلاب حسني الزعيم عام 1949م، الذي لم يدم في السلطة أكثر من 137 يوما.
وانتقد الاستبداد الذي مارسه أديب الشيشكلي الذي انقلب على الحكومة، وتولى السلطات بيد من حديد وحل جماعة الاخوان، ونفى د. مصطفى السباعي الى لبنان.
وفي خطوة للتهدئة نصحه الشيخ علي الطنطاوي بالهجرة المؤقتة الى مصر فذهب الى هناك في عام 1951م برفقة الشيخ زهير شاويش..
اتصل بالشيخ محب الدين الخطيب، والشيخ محمود شاكر ، والدكتور عبد العزيز كامل، وارتبط بعلاقة قوية بقادة الاخوان هناك..وحضر دروس الشهيد سيد قطب في بيته بحلوان ..وأعجب بفكره.
- عاد عصام العطار من مصر في عام 1952م بعد أن أخبره السيد محب الدين الخطيب بأن والده مريض، وبعد انقضاء أيام الحزن نهض العطار لمواصلة جهاده السياسي والحركي فراح يخطب، ويكتب، وينتقد مواطن الفساد، ويدعو للنهضة والاصلاح ...
وحين قام الامام حسن الهضيبي عام 1954م بزيارة الى سورية كان عصام العطار على رأس مستقبليه وأشرف على رحلاته وتنقلات في المدن السورية..
واستقبل الاخوان المبعدين من مصر والذين قدموا الى سورية هربا من بطش مخابرات عبد الناصر أمثال: د. سعيد رمضان والشاعر عبد الحكيم عابدين، وسعد الدين وليلى ...وعندما شارك الاخوة في المظاهرات في سورية طالبت بهم السلطات المصرية فرفضت الحكومة السورية تسليمهم ...
وقف عصام العطار ضد سياسة جمال عبد الناصر واستبداده وقمعه للحركة الاسلامية، وحين أعدم عبد الناصر الشهيد القاضي عبد القادر عودة واخوانه قاد عصام العطار المظاهرات في دمشق والتي نددت بالجريمة النكراء، وأرسل الى الحكومة المصرية برقية شجب وتنديد.
وحين اعتقل عبد الناصر الأستاذ حسن الهضيبي والقيادة عام 1954م أسس الاخوان المسلمون في سورية، والعراق، ولبنان، والأردن، والسودان، المكتب التنفيذي لقيادة الاخوان في العالم، وقد شغل عصام العطار منصب نائب رئيس المكتب مصطفى السباعي ...ثم صار رئيسا له.
وعندما استلم بشير العظمة رئاسة الوزراء، وكان ذا توجه شيوعي فحذره عصام العطار من أي اجراء ضد الجماعة، وخطب خطبة نارية في مسجد جامعة دمشق أدت الى استقالة العظمة من منصبه.
وأثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م تناسى الخلاف مع عبد الناصر، وأعلن وقوف جماعته مع مصر ضد العدوان الغاشم، وأرسل مع قادة المكتب التنفيذي رسالة تضامن وتأييد للحكومة المصرية، وأعلن استعداد الجماعة لارسال المجاهدين للدفاع عن مصر .
وفي عام 1958م قامت الوحدة بين مصر وسورية فسارع الى تأييدها، ورفعت الجماعة شعار الوحدة جزء من عقيدتنا ، وتغنى شعراء الاخوان بالوحدة مثل الشاعر محمد منلا غزيل، وكتب محمد الحسناوي ديوانا كاملا تحت عنوان : (في ربيع الوحدة).
وكان عصام العطار ينتقد الأخطاء من فوق منبر مسجد الجامعة في دمشق، وعارض الاستبداد الناصري وحله الأحزاب الاسلامية والسياسية، وانتقد الليالي الحمراء للمشير عبد الحكيم عامر، كما انتقد تسلط الأجهزة الأمنية، ولكن العطار بقي مع المحافظة على الوحدة، ودعا الى الاصلاح من الداخل، ولكن هيهات لأن الفساد قد استشرى في جميع الأجهزة الحكومية.
وهذه الأخطاء وغيرها أدت في عام 1961م الى وقوع الانفصال المشؤوم، فحاول السياسي المخضرم خالد العظم انتزاع كلمة من عصام العطار ضد الوحدة وتأييد الانفصال فلم يفلح.
وعرضت عليه المناصب السياسية، فرفض أي منصب الا عن طريق الانتخاب، ولأنه لا يضع يده الا مع الأيدي المتوضئة، وفي نفس السنة ( 1961م) جرت الانتخابات البرلمانية في سورية، وقد فاز فيها عصام العطار فوزا ساحقا، وتفوق على أساطين السياسة السورية ، ثم صار أمينا عاما للكتلة البرلمانية ( الجبهة التعاونية الاسلامية)، والتي ضمت أكثر من عشرة نواب نذكر منهم: الشيخ عبد الفتاح أبو غدة والشيخ عبد الوهاب سكر والشيخ عمر عودة الخطيب الذي صار وزيرا للتموين ...ودعا عصام العطار والجبهة التي يرأسها الى المحافظة على هوية الأمة، ودعا الى تحرير نهر الأردن بدلا من تحويله.
ودعم قضايا الفلاحين والعمال ..
كما دعا الى سياسة عدم الانحياز وبين موقف الاسلام من التحالف مع الغرب..وكتب رسالة في ذلك.
كما عارض سياسة حلف بغداد..وانتقد جرائم الشيوعيين وحكومة نوري السعيد في العراق.
وعندما وقع انقلاب 8 أذار عام 1963م وقف عصام العطار ضد الانقلابات العسكرية بشكل عام وضد الثورة المزعومة بشكل خاص ...مما تسبب باعتقاله وعزله عن الخطابة.
انتخب مراقبا عاما لجماعة الاخوان المسلمين بعد وفاة د. مصطفى حسني السباعي عام 1964م.
وفي عام 1964م ذهب عصام العطار الى الحج، ثم وقعت حادثة جامع السلطان في حماة حيث قاد الشهيد مروان حديد اعتصاما طالب بعودة الطالب المفصول من الثانوية، ولكن بعض الجهات المتنفذة في الجيش والسلطة استغلت الموقف، فسجنت الشباب المسلم، وقصفت المسجد، وقتلت 29 من الناس.
وعندما حاول الأستاذ عصام العطار العودة من رحلة الحج عام 1964م منعته السلطات السورية...فلم يستطع المشاركة في تشييع أخيه ورفيق دربه مصطفى السباعي رحمه الله.
لجأ عصام العطار الى لبنان، ولحقت به أسرته الى هناك، ولم يدخل في التحالفات السياسية، وعارض سياسة جمال عبد الناصر في اعدام الشهيد سيد قطب واخوانه عام 1966م، وكتب 4 مقالات عن الشهيد والدفاع عنه ...
وكانت لبنان ساحة خصبة للتيارات الناصرية، فسجن لفترة قصيرة، ثم غادر لبنان الى بلجيكا، ثم الى ألمانيا حيث أقام هناك في مدينة أخن الى الأن.
قاد الحركة الاسلامية بنجاح ملحوظذ، وهو في بلاد الغربة...
أصيب عصام العطار بالشلل في بلجيكا عام 1968م ..
وبالرغم من ايمانه بالسلمية ونبذ العنف والعمل المسلح الا أنه وتحت الحاح الشهيد مروان حديد أيد العمل الفدائي ضد اسرائيل، وشكلت الجماعة مع قيادة فتح معسكر الشيوخ في الأردن عام 1969م، وقد قام المجاهدون بعدة عمليات ناجحة، وقدموا الشهداء.
وبسبب مرض الشيخ عصام واصابته بالشلل وبسبب بعده عن سورية شكلت الجماعة هيئة مراقبة ضمت كل من : الأستاذ أمين يكن نائب المراقب العام، ود. موفق دعبول، ود. عدنان بدر الدين سعيد، والأستاذ محمود شاكر، واجتمعت اللجنة بعد سنة من تشكيلها، وقررت انهاء القيادة السابقة واجراء انتخابات جديدة، فترك الأستاذ الداعية القيادة عام 1969م..وانقسمت الجماعة الى تيار دمشق، وتيار حلب...وانتخب الشيخ عبد الفتاح مراقبا عاما، ولكنه لم يستمر أكثر من سنتين بسبب مشاغله العلمية، فانتخب عدنان سعد الدين مكانه سنة 1975م.
أسس عصام العطار الطلائع الاسلامية في بلاد العرب وفي الغرب.
وفي عام 1981م قتلت زوجته الشهيدة بنان الطنطاوي..وظن الطغاة أنهم قضوا على العطار وقلموا أظافره ...
ولكنه بقي صامدا كالطود الراسخ، ودعا الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ودعا الى الحريات وحقوق الانسان، والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، ومقاومة الظلم والاستبداد والديكتاتورية وحكم الفرد.
- ورغم ترك عصام العطار للجماعة الا أنه بقي وفيا لها ولمبادئها وحين أجرت قناة العربية لقاء به، وحاولت أن تصطحاد بالماء العكر كعادتها أكد للجميع: أن الاخوان هم لحمي ودمي وأن معظم قادتهم من طلابي.
ورفض العودة الفردية الى سورية، ولم يطلب شيئا لنفسه بل طالب بالاصلاح السياسي والتعددية وعودة الجماعة والأحزاب...
أيد عصام العطار الثورة السورية المباركة التي اندلعت عام 2011م، وحضر مؤتمر استانبول، وقد شاهده الناس الى جوار صديقه الأستاذ الحقوقي هيثم المالح ...
وما زال الشاعر المجاهد عصام العطار رغم تجاوزه التسعين بسنوات يكتب، ويقدم النصائح والخبرة السياسية ...والدعوية والحركية.
وأخيرا:
فاني أدعو طلبة الدراسات العليا الى الحصول على شهادات الماجستير والدكتوراه في بيان سيرة حياته وجهوده في الدعوة الى الله، وفي المجالات السياسية والأدبية، فهو شاعر فذ، وخطيب مصقع، وكاتب للمقالة بأنواعها لا يجارى.
مصادر الدراسة:
1- موقع الأستاذ عصام العطار.
2- موقع مجلة الرائد التي كانت تصدر في ألمانيا.
3- كتب عصام العطار ومقالاته.
4- عصام العطار الزعامة المميزة - حسن التل - دار اللواء في عمان .
5- كتاب عصام العطار : القائد الملهم والشاعر الموهوب- عمر محمد العبسو.
6- رابطة أدباء الشام .
7- شعراء الدعوة الاسلامية : جرار والجدع - ج1 .
وسوم: العدد 944