قالوا إنهم قبضوا على زكريا الزبيدي
أنا شاهدته، شاهدت سمرته البدوية.. وملامحه وشاهدت سلاحه, يليق بك السلاح يا زكريا
أعرف سيعيدونك إلى سجن (جلبوع)، وهذه المرة سيشددون عليك الحراسة.. سيضعونك في زنزانة انفرادية، وسيرسلون لك وجبة واحدة في اليوم.. وربما سيحجبون عنك الضوء... لا عليك ضوء فلسطين يكفي
وربما سيأتيك كاتب سيناريو من أميركا, وسيطلب منك أن تحكي له قصة تحررك.. (هوليوود) يا زكريا تريد أن تنتج فيلماً عنك... أخبره بأن الفلسطيني إن ضاقت به الدنيا يحول (الملعقة) لأداة مقاومة, واشرح له كل شيء.. اشرح له كيف بدأت الحفر وكيف تحررت وكيف استقبلك الصبح في فلسطين, والتراب حين عبرته أطلق ترويدة فلسطينية من أجل انتصارك
يا زكريا.. لو كان درويش حيّاً لكتب فيك أجمل قصيدة، ولكنه مات وماتت القصائد معه... ولو كان بدر شاكر السياب حيّاً، لطلب منك أن تمد النفق باتجاه (جيكور) في العراق... ولو كان نزار قباني حيّاً، لاعتذر من بلقيس وليلى ومنى ومن الياسمين في دمشق.. وقال عنك إنك الحب والأسطورة.. وإنك كل القصائد وما من قصيدة بعدك ولا قبلك
أرسل للعرب بعض سمرتك يا زكريا, فسمرتنا صارت مزورة.. وحين تقص أظافرك ارميها من شباك الزنزانة, ربما ستسكن أرضا فلسطينية وتزهر بندقية وقذيفة.. وحين تمسح عرق الصبر وعرق السجن من جبينك.. أرسل (البشكير) للنساء في الضفة... فقد قرر شجر الزيتون أن يتعطر بعرقك... حتى شعرك يا زكريا إن قاموا بقصه إياك أن ترميه.. أرسله لنا، سنجعل منه شاربا للزمن العربي الجديد
من أي طينة جبلت يا هذا الفتى؟.. وهل أرضعتك أمك حليبا أم أرضعتك فلسطين من أولها وحتى اخر مجرى للدمع؟.. أنا لا أعرف ولكني ما أعرفه.. هو أن على كل أم عربية دخلت (الوحام) الآن.. عليها ألا تفكر بالطعام أو تشتهي الفاكهة فليكن وحامها البندقية.. وليكن تأملها في وجهك الأسمر فقط.. على كل أم عربية تجهز لوليد قادم.. عليها أن تفتح صورك، وتقول لجنينها في الرحم.. أريدك مثل زكريا.. وتعلمه فن الأسر وفن المقاومة وفن الصبر وأن الملعقة ليست للطعام.. وإنما لصناعة أسطورة اسمها الحرية
كيف جعلت عدسات العالم تطارد هذا البهاء الفلسطيني في وجهك، وأنت خلف ألف جدار ويهددك ألف سجان؟
يا زكريا.. لقد انتصرت، حسمت المعركة من أولها, ونحن المهزومون.. انتصرت حين صعدت للدنيا مرة من رحم أمك، ومرة من رحم الأرض الفلسطينية.. هو لم يكن نفقا بل فلسطين وسعت رحمها.. وأنجبت أسطورة، انتصرت... لأنك حضنت تراب الجليل من بعد أسرك.. ونحن أحرار بالاسم ولم نجرؤ على الاقتراب من وردة نبتت في أطراف الناصرة
أعرف أنك الآن تخضع للتعذيب, وأعرف أنك تضحك عليهم.. وأعرف وأنت تعرف أنهم لا ينظرون لك كجسد وروح بل بدأوا الآن يخافون أكثر... هم في داخلهم يعتقدون أنك المعجزة, وبعدها ستولد ألف معجزة فلسطينية
كل وزارات التربية العربية عليها الان أن تصحح منهاج العلوم.. وتخبر الطلبة أن الأرحام موجودة في بطون النساء وأنها موجودة في أرض فلسطين... عليهم أن يصححوا مناهج اللغة, ويسمونك المعجزة... أنت أصلا لا تقل عملقة عن الأهرام في مصر ولا عن البترا... عليهم أن يصححوا منهاج الموسيقى، ويخبرون الطلبة أن الملعقة أهم من الكمان.. كونها تعزف لحن الحرية الوحيد, نعم حولت الملعقة لأهم آلة في أوركسترا فلسطين الحرية.. وليس أوركسترا فلسطين السيمفونية
زكريا الزبيدي.. ماذا أبقيت للأمة، للجنرالات.. للدبابات, للصواريخ.. لا شيء حتما لم تبق شيئا.. لقد اختصرت تاريخ البطولة كله.. ونثرت سمرتك على المدى.. صار النخل أسمر مثلك والزيتون.. وصارت المباني سمراء.. وتاريخ العرب أسمر مثلك صار يا زكريا
وسوم: العدد 946