عندما ظلمت السيسي الذي قرأ لهيكل وموسى صبري!

«مشكور» عبد الفتاح السيسي!

فهو شريك أساسي في كتابة هذه السطور كل أسبوع، سواء بشخصه أو بفضل إعلامه، وهي زاوية لمن يطالعونها عبر الموقع الإلكتروني وعبر النسخة الورقية عنوانها «فضائيات وأرضيات» وتختص بالنقد التلفزيوني، ولو توقف عن الكلام، وأعاد أذرعه الإعلامية للاستيداع، فسوف أشكو الفاقة!

فبينما كنت جالساً، أقلب أوراقي ذات اليمين وذات الشمال، بحثاً عن فكرة لهذا الأسبوع، هبطت علينا مائدة من السماء؛ تمثلت في مداخلته على القناة الأولى المصرية، وفي البرنامج الذي يقدمه المذيع الاحتياطي أو «الإستبن» يوسف الحسيني، في انتظار عودة المذيع الأصلي وائل الإبراشي، شفاه الله وعافاه.

هل يتابعني عبد الفتاح السيسي؟! أحيانا وبسبب تصرف ما، ينتابني إحساس أنه يتابع معظم ما يكتب وما يقال، ويتأكد لدي هذا الإحساس كلما وجدته يجلس خلف جهاز اللاب توب، وإن كان الدكتور البرادعي له صورة شهيرة، يضع فيها جهازه في حجره، مع أن حجمه مبالغ فيه حيث يتجاوز العشرين بوصة، ومع هذا فإنه يجوز فيه القول عند بيعه من باب الإغراء «لاب توب استعمال البرادعي» على وزن الدعاية القديمة للسيارات المستعملة؛ «استعمال طبيب».

فالبرادعي، ومع أنه يحمل لاب توب، في حجم «التلفزيون الملون» إلا أنه لا يستخدمه كثيراً، وكل انتاجه هو عبارة عن تسع تغريدات في العام، ولا يغرد في الشتاء نظراً لبرودة الجو في أوروبا، فيعيش «البيات الشتوي» وفي هذا العام لم يغرد صيفاً، لأن صيف أوروبا أصبح كصيف الخليج، ويبدو أنه يقضي نهاره في «البانيو» ولا وقت عنده لكتابة «التويتات» وقد خسر إبراهيم عيسى، الذي كان يكتب له، والذي ظهر مع السيسي مؤخراً، فإبراهيم، كمعشوق سميرة سعيد في أغنية «علمناه الحب» فهو دائما لصاحب القسمة والنصيب، الثابت عنده هو نجيب ساويرس، وكله عنده متغير، ومن صفوت الشريف للبرادعي، ومنهما للفريق أحمد شفيق، ومن الفريق للمشير الفتاح السيسي، وفي فترة صفوت الشريف كان متحالفاً مع الإخوان، فيجوز عنده الحب قصراً وجمعاً، ومن الواضح أن السيسي قبله بحالته، وأخذه على علته، فلم يقبل المستشارة تهاني الجبالي، مع أنها عملت كل ما في وسعها للتقرب إليه زلفى، لأنها في أيام حكم المجلس العسكري كانت محسوبة على الفريق سامي عنان!

حالة البرادعي ولاب توبه، تحفظ ولا يقاس عليها، فمن الواضح أن السيسي يتابع بنفسه وسائل الإعلام والصحف والسوشيال ميديا، وأرى أن مداخلته مع يوسف الحسيني هي نتيجة هذه المتابعة لشخصي الكريم، ففي هذه الزاوية كتبت معلقاً على مداخلته على قناة «صدى البلد» قلت إنه يلجأ لقنوات الغير، و»صدى البلد» هي القناة الوحيدة التي لم تطالها إجراءات التأميم، دعك من «تن» لأنها حماية إماراتية، تماما كما أن عمرو أديب حماية سعودية!

وكتبت إنه من المفروض أن يظهر في التلفزيون الرسمي، لأن عدم ظهوره عبره يعني اعترافا بالفشل، وهو الراجع لاختيارات السلطة لقياداته، ويؤكد أن النية تتجه لتصفيته وتسريح العاملين فيه. وما لم أقله إنه يذكرني بسخرية أكرم القصاص، رئيس تحرير «اليوم االسابع» الآن، من رؤساء تحرير الصحف الذين كانوا (على أيامنا) يكتبون في صحف أخرى، ويقول إنهم يذكروه بصديق عراقي، يملك مطعماً، ومع كان يأكل في مطعم آخر!

الحسيني ينافس السيسي

فهل قرأ السيسي ما كتبت، أم أنها «الصدفة البحتة» لكني في العموم استبعدت أن يكون أداؤه قاصراً هنا على تقارير أمنية ترفع له، فهذه التقارير لا تخرج عن إطار فلان ظهر في القناة الفلانية وشتم في «حضرتك» وفلان كتب في صحيفة كذا إنه «فخامتك» فاشل، وهي تقارير لا تستهدف إصلاحاً، فقد يكون له توجه هو في بطن هذه الأجهزة!

وقديما أدهشني أن تنسب هذه التقارير للشيخ أحمد المحلاوي ما لم يقله، من أنه كان يصف السيدة جيهان السادات من فوق المنبر بأنها «سيئة مصر الأولى» ولعل هذا ما دفع الرئيس للخروج عن طوره في خطابه الشهير، وهو يقول «أهوه مرمي في السجن زي الكلب»

وبعد اغتيال السادات وخروج المحلاوي من المعتقل، نفى تماماً أن يكون قد وصف حرم الرئيس الراحل بذلك. فما هي مصلحة كاتب التقارير؟!

لا بأس، قد تكون المداخلة ليس لها علاقة بما كتبته، سواء باطلاع السيسي عليه، أو برفع تقرير أمني بملخص ما كتبته، فما حدث أن السيسي اتصل بالحسيني، والمدخل هو موضوع فتاة مصرية تكافح في الحياة، عرض البرنامج قصتها، وتصرف المذيع المذكور تصرفا غير مسبوق، ليس فقط في وصفه له بـ «فخامة الرئيس» الوصف الذي يختص به صديقنا محمود عطية المحامي في مداخلاته من القاهرة، فينتزع به الابتسامة منا مهما كانت سخونة الحوار، وقد ألغت ثورة 1952 الألقاب، لكن لأن الفتى المذيع هب واقفاً، في مشهد تمثيلي هابط!

«الحسيني» أخذ «اللقطة» من السيسي، فلم يكن الخبر هو ما قاله صاحب الاتصال، لكن ما فعله المذيع، وإذا كان الهجوم في الحالتين أمراً طبيعياً فان المدخل الأكثر جاذبية هو هذه الوقفة البائسة من قبل مذيع أعادوه من الاستيداع، واختاروه عضواً في البرلمان.

لقد توصلت بالتجربة، إلى أنه من الخطأ أن ينساق المرء وراء السوشيال ميديا، عند التطرق لكلام خاص بالسيسي، وإنما عليه اللجوء للمصدر. وفي الأسبوع الماضي أخطأت في حقه مرتين بسبب منصات التواصل.

الخطأ الأول، عندما فاتني الانتقال لـ»النيل للأخبار» صباحاً، وبالتالي لم أشاهد جلسة حقوق الإنسان التي عقدها، وقرأت على السيوشيال ميديا أنه قال إن ثورة يناير هدمت الدولة، وعلقت على ذلك، وعند اطلاعي على حديثه صوتاً وصورة اكتشفت أن هذا ليس صحيحا؛ فقوله يفهم منه أن الثورة نتيجة لهدم الدولة وليست سبباً.

الخطأ الثاني، إنه صرح في افتتاح مجمع السجون في الأسبوع المقبل على أنه انجاز كبير، وبالعودة للحوار، وجدت أنه يتحدث عن المجمع في سياق انشاء سجون حسب المواصفات الأمريكية، في حديثه عن حقوق الإنسان. والموضوع كما قاله يستحق التعقيب فكيف يتسنى هذا الاهتمام مع الأشباح والهياكل العظمية التي نراها خارجة من سجونه، وعائشة خيرت الشاطر ليست الأخيرة، ولماذا تسجن عائشة أصلا؟!

طشة الملوخية

وإذ ابتعدت عن منصات التواصل لعلمت أن المشكلة ايضاً في إعلامه، الذي صاغ مقولاته مع الحسيني عن تطوير الخطاب الديني، بشكل أكثر رداءة من أداء القاعدين له على الساقطة واللاقطة، فلم يسبق له أن تحدث بهذه الدقة كما في مداخلته الأخيرة! فلم يتعرض للدين، أو العقيدة فقد ميز بينها وبين الفقه، الذي يقصده بتطويره! ليكون إعلامه بمثابة الدبة التي قتلت صاحبها.

وما ظلمناهم، فقد حرص أن يضع يده على الإعلام، وأصبحت عقدة الأمر بيد الضباط، الذين لا يريدون الاقتناع بأن الصحافة مهنة.

قال السيسي في مداخلته إنه قرأ لهيكل ولموسى صبري، فكيف يتسق هذا الاهتمام المبكر، مع إدارته للملف؟! لقد أمم عبد الناصر الصحافة، لكنه استمر يعطي الخبز لخبازه، فمن بجواره يمكن أن يمثل هيكل، أو موسى صبري، بقيمتهما المهنية عالية الجودة؟!

هذه الإدارة لملف الإعلام حدودها قراءة مقال «طشة الملوخية»!

وسوم: العدد 947