كيف ستذكرنا الشعوب التي أستضافتنا خلال محنتنا نحن السوريون؟
ترى بعد أن يمن على السوريين الله بفرجه ويكتب لأغلبنا العودة للديار فكيف ستذكرنا الشعوب التي أستضافتنا خلال محنتنا هذه؟
*لنرى كيف صاغ المنفلوطي ذكرياته عن عودة السوريين لديارهم قبل أكثر من مئة عام. الذين كانوا لاجئين في مصر أيام الحكم العثماني*:
*مصطفى لطفي المنفلوطي إذ ينصف السوريين في جملة واحدة طويلة جميلة في كتاب النظرات المطبوع عام ١٩٢٠ قال رحمه الله*:
*فارق مصر على أثر الدستور العثماني كثير من فضلاء السوريين بعدما عمروا هذه البلاد بفضائلهم ومآثرهم وصيروها جنة زاخرة بالعلوم والآداب ولقنوا المصريين تلك الدروس العالية في الصحافة والتأليف والترجمة، وبعدما ما كانوا فينا سفراء خير بين المدنية الغربية والمدنية الشرقية، يأخذون من كمال الأولى ليتمموا ما نقص من الأخرى، وبعدما علّموا المصري كيف ينشط في العمل, وكيف يجد ويجتهد في سبيل العيش, وكيف يثبت ويتجلد في معركة الحياة*.
*قضوا بيننا تلك البرهة من الزمان يحسنون إلينا فنسيء إليهم, ويعطفون علينا فنسميهم تارة دخلاء، وأخرى ثقلاء، كأنما كنا نحسب أنهم قوم من شذاذ الآفاق أو نفايات الأمم جاؤوا إلينا يصادروننا في أرزاقنا*، *ويتطفلون على موائدنا، ولو أنصفناهم لعرفناهم وعرفنا أن أكثرهم من بيوتات المجد والشرف، وإنما ضاقت بهم حكومة الاستبداد ذرعا وكذلك شأن كل حكومة مستبدة مع أحرار النفوس وأباة الضيم فأحرجت صدورهم، وضيقت عليهم مذاهبهم، ففروا من الظلم تاركين وراءهم شرفا ينعيهم، ومجدا يبكي عليهم، ونزلوا بيننا ضيوفا كراما، وأساتذة كبارا، فما أحسنا ضيافتهم ولا شكرنا لهم نعمتهم*.
*وبعد فقد مضى ذلك الزمن بخيره أو شره وأصبحنا اليوم كلما ذكرناهم خفقت أفئدتنا مخافة أن يلحق باقيهم بماضيهم فلا نعلم أنشكر للدستور أن فرج عنهم كربتهم، وأمنهم على أنفسهم، وردهم إلى أوطانهم، أم ننتقم منه أن كان سببا في حرماننا منهم بعد أنسنا بهم، واغتباطنا بحسن عشرتهم، وجميل مودتهم، ولا ندري هل نحن بين يدي هذا النظام العثماني الجديد في هناء أم في عزاء*.
*فيا أيها القوم المودعون والكرام الكاتبون*:
اذكرونا مثل ذكرانا لكم ...
رب ذكرى قربت من نزحا
واذكروا حبا إذا غنى بكم ...
شرب الدمع وعاف القدحا
وسوم: العدد 947