هيئة للمعارضة السورية الموازية الاستحقاق الوطني الأول

أتابع موقف جمهور المعارضة السورية من اللجنة الدستورية، وأستخدم هنا لفظ الجمهور، بدلالته الفقهية، فلا أرى غير ناقد أوناقم ..هيئات، وتجمعات وأحزاب، وجماعات وشخصيات ذات سابقة وطول و مكانة وإمكان ، كلها متفقة على إدانة فكرة " الترقيع الدستوري"، بديلا لهيئة الحكم الانتقالي ابتداء، أو على الدور الذي يلعبه الفريق المحسوب على الثورة والمعارضة انتهاء..

كلهم يكتب ويوقع ولكن أفرادا : ليس برأينا ، ولا بمشورتنا، ولا باسمنا ، يتبغدد هؤلاء المتبغددون..

ومع ذلك تبقى اللجنة الدستورية كأنها " ضربة لازب " وكأن من فرضها علينا هو نفسه من فرض علينا بشار الأسد وقائمة المجتمع المدني، والأعجب من ذلك أن يذهب نقدنا أو نقمتنا على فكرة " الترقيع الدستوري" بوصفه هدفا للثورة السورية، وعلى أداء اللحنة الدستورية رمالا تذروها الرياح ، فلا ائتلافيون يتعظون، ولا مفاوضون ينتفعون ..فكأن كلهم واحد..

كان لمعروف الرصافي رحمه الله تعالى تساؤل عن مثل حالنا حين قال فينا وفي مثل هذه المعارضة بالضاد المعجمة ..:

وأعجب من ذا أنهم يرهبونها ...وأموالها منهم ومنهم جنودها

فهل الأمر أصبح فينا ونزعم أننا في سياق ثورة، أن خرجنا من وكف الاستبداد إلى مزاريب الأدعياء !! وقد كان بشار الأسد ليكرم على السوريين لو طالبوا بمقاعدهم في مثل الجبهة الوطنية التقدمية...!!

وما نقرره هنا ليس دعوة إلى فتح معركة شخصية مع المزيج المتشاكس غير المتجانس، المؤلف لهيئات المعارضة في أطباقها الثلاثة ، وخاصة أعضاء اللجنة الدستورية التي أحب أن أصفها " الديمستورية" ... وإنما هي دعوة لتنظيم الموقف، المعارض، الرافض لمتتالية التنازل، دعوة لتلبية احتياجات الثورة والمعارضة على طريقة من قال " ثورة في الثورة" أو "معارضة في المعارضة" .... فهل من مستجيب

وهي دعوة في الوقت نفسه إلى الوفاء لدماء الشهداء، وتضحيات المضحين، في فضاء هذه الثورة العظيمة، التي تجاوزت تضحيات أبنائها كل الحدود ...

إنه لقبيح بنا أن يجير بعض الناس دماء مليون شهيد لحساباتهم الشخصية للحصول على كرسي " واطئ" أوطأ من كرسي وزير دفاع بشار الأسد في حضرة الروس !!

وهي دعوة لدور إيجابي، وليس لموقف سلبي ناقم أو رافض، يقول نعم للذين يحسنون، ولا للذين يسيئون ولو كانوا مجتهدين ..

في تربيتنا المجتمعية كان أهلنا يحذروننا دائما " الذي يكذب الله يحرقه بالنار، والذي يؤذي الله يحرقه بالنار ، وأنا أقول لجميع قوى الثورة السورية وهيئاتها وتجمعاتها وقواها وأحزابها وشخصياتها في أطباقها الثلاثة ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) . وأخشى ما أخشى على الناس قول العامة فيمن "فتاها وجلاها"، ما دام يعجبه مقعده في مركب الظلم فسيجد له سبعين فتوى من دين ومن عقل ..

بالتتبع الذي يسمونه الاستقراء ، وإن كان استقرائي ناقصا ولكنه غالب، لم أجد وجها من وجوه السوريين، ولا لسانا من ألسنتهم لا إسلاميا ولا علمانيا ولا قوميا ولا ليبراليا ،يقول نعم صادقة لفكرة الذهاب إلى " الترقيع الدستوري " أولا ، ثم إلى إقرار الطريقة التي يدير بها التعاطي القائم على طريقة" بيدرسون" ومن رضي عنهم ثانيا ...

أيها الأخوة السوريون الأحرار جميعا ...

لن ينفعنا أن نكتب العشرات من المقالات، وأن نصدر المئات منا المنشورات ، أو التغريدات في رفض تقزيم أهداف الثورة في عملية" ترقيع دستوري" أو في طريقة التعاطي مع الواقع الذي يتحكم به بمداخله ومخارجه بشار الأسد اليوم ، يلاعب فريقَنا فيه كما يلاعب القط المتنمر الفأر الجريح، ويفخر الفأر أنه يختلج ..

ولو نفع نداء مثل " يالله ارحل يا بشار " شيء، لنفعتنا بياناتنا وتصريحاتنا ومقالاتنا بضرورة وقف العبث الذي تطحننا به أطياف المعارضو شيئا. مثل بشار الأسد هم لا يبالون وهو لا يبالي. كلهم يقولون: على صدوركم باقون...!!

ولن ينفعنا إلا أن نتداعى، أو يتداعى أولو الأحلام والنهى وأولو الطول منا؛ إلى إعادة تشكيل جسم وطني مواز ، وإن لم يعترف به العالم، ولم يمد عينا إلى المانحين ..

جسم وطني مستقل يعبر عن تطلعات السوريين الحقة من غير أدلجة ولا تدجين!!

جسم وطني حقيقي، يتشكل من رجال حقيقيين ونساء حقيقيات، على معايير الوطنية الحقيقية، لحماية ما بقي من الثورة ، ولحماية ما قضى عليه شهداؤها، وما تعذب من أجله معتقلوها، وما تشرد في سبيله مشردوها ..

 إنن المجلس الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين بوصفهما تعبيرات وطنية منظمة أول من يوجه إليهما النداء في هذا السبيل، وهو نداء موجه في الوقت نفسه إلى كل القوى والشخصيات الوطنية العلمانية والليبرالية والقومية على حد سواء، هذا مشهد وطني لا ينبغي أن يغيب أو أن يغيّب عنه أحد ...

ولعل شر ما وقعنا أو أوقعونا فيه نحن السوريين أننا قدمنا الفرز البرامجي على الفرز الثوري، وكان ذلك خطيئة بل جريمة يجب أن تتوقف، وأن تتدارك، وأن يكون هدفنا الذي لا يتقدم عليه أحد ولا يتقدم : وطن حر سيد لكل السوريات والسوريين. وطن للعدل والمساواة والحرية والكرامة، وكل ما عدا ذلك فهو تفصيل..

وكذا يجب أن نبث النداء إلى كل القوى والشخصيات الشريفة في أطباق المعارضة الثلاثة، لقد كان خداعا وغرورا أن المرء يعروري ذرى صهوتين ...

وآن الأوان وقد أسفر الصبح لذي عينين، أن تنبذوا إلى المتلاعبين في هذه الأطباق على سواء.

وقد كنا كلما ذاكرنا بعض الناس فيما ستؤدي إليه هذه المقدمات، الخائبة المنذرة المدمرة ؛ أجابوا نصبر رجاء تقديم نصيحة أو عون، حتى العقبة الأصعب ..ونظن أن العقبة الأصعب اليوم قد أصبحت وراءنا ...وتدهد مشروع الثورة " كجلمود صخر حطه السيل من عل" وسيكون المصير إن استمررتم واستمرأتم إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم ، ونسأل الله لهذه الثورة النصر والتمكين بكم أو بغيركم..

وبشار الأسد بعد عمليتي التجميل " الأمريكية" و" الروسية" ربما سيكون أقبح مما نعهد وتعهدون ..

(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)

تنطبق على الفرد والجماعة والحزب والشعب والأمة ..

نعوذ بنور وجهك يارب.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 952