" أسبوع التسلح" نكأ الجراح ... أو كيد العدا !!

كنت في الصف الثاني الابتدائ، عندما أعلنت الحكومة السورية عن أسبوع التسلح، الأسبوع الوطني لجمع التبرعات، لتدعيم تسليح الجيش السوري. أتذكر الأستاذ " زكي كنفاني" يحدثنا عن حاجة الجيش إلى السلاح، وإلى الانتصار في معركة تحرير فلسيطن، وأتذكر كيف كانت الإذاعة السورية على مدى أسبوع تغطي "ماراثون" جمع التبرعات، وأتذكر أسماء رجال الأموال والأعمال في سورية، يجودون ويتنافسون...

وأتذكر أنني بعد أن حكيت لوالدتي رحمها الله ما حكاه لنا الأستاذ زكي كنفاني، سلمتني ليرة سورية، وهي في ذلك الزمان مبلغ عال ومش بطال، وكيف أنني سلمته، للأستاذ زكي كنفاني، وسلمني بموجبه، إيصالا رمادي اللون ، منقوشا عليه بالأحمر ، تبرع لأسبوع التسلح، وظللت أحتفظ بهزمانا، كوسام فخر وطني، لا تعتبوا غلى طفل في الثامنة .. كنا نحلم أن نكون قد شاركنا في تحرير فلسطين وفي كيد العدا.. هل تحفظون من حياتنا الشعبية البسيطة مصطلح "كيد العدا " أجلس وراء جهاز الكومبيتر الخاص، وأطبع بأصبع واحدة، وأنظر مرتين إلى الحرف لكي لا أخطئ، وأنا أعلم أنه لا صديقَ يسره ما أكتب، وإنما أكتب "كيدا للعدا"

في سيرة حياتي الثقافية لم يمر معي وطنياقد انتقد تسليح " الجيش" !!غير ما قرأته مرة ، في أحد المصادر ثم غاب عني، عن جدل دار بين الزعيم السوري، سعد الله الجابري، ووزير الدفاع ، الذي كان يطلب في مجلس النواب للجيش ميزانية أكبر !! فرد عليه سعد الله الجابري رحمه الله : إن ميزانية وزارتكم تحتاج إلى تدقيق أكبر، منوها إلى تبذيروفخفخة بعض، الضباط!! مضيفا، نرفع الميزانية لشراء السلاح ، وغدا تقتلوننا به بعد عملية انقلاب..لم تكن سورية يومها قد شهدت أي انقلاب بعد..

ولكنه حكم فتاة الحي. زرقاء اليمامة، التي ترى النتائج في المقدمات ..

كل هذا الكلام ذكرني به منذ الأمس خبر صادر عن " وزترة الأمن في الكيان المحتل" أن فريقا مختصا من الأمن الصهيوني، وكل جهود قناة الجزيرة لم تنجح لتجري على لساني كلمة الإسرائيلي، وأنا لا أذكر سيدنا يعقوب "إسرائيل" إلا وأقول عليه السلام..ولا أصدق خرافة أن سيدنا يعقوب صارع الربَّ، وأنه أي يعقوب عليه السلام، صرعَ الربَّ تعالى الله عما يقول الجاهلون..

تحكي الوزارة المهية أن فريقا مختصا من الأمن الصهيوني اكتشف خندقا عسكريا، أو مستودع سلاح وذخيرة سوري مطمور أو محفوظ من فترة ما قبل الخامس من حزيران...

الموقع كما يشير المصدر يقع في موقع استراتيجي شديد التحصين، كان السوريون يطلقون عليه "المرتفع" وهو من أكثر مواقع الجبهة السورية تحصينا!!

وجد في المستودع المذكور قذائف وذخائر لم تستعمل في أثناء عملية الاستلام والتسليم ، مع أنها تمت " يدا بيد" ، من هذه الأسلحة ما هو منثور، ومنها ما هو في الصناديق المختومة المحفوظة ..." خمر معتقة." كما يقواون

ويبدو أن الصهاينة غفلوا عن هذا المستودع المهم في الخوارط العسكرية، التي قدمها حافظ الأسد من قبل ومن بعد ..

في الحقيقة لا يمكن أن يكون الإنسان سوريا ووطنيا ومهتما بشأن وطنه، ما لم يقرأ كتاب "سقوط الجولان" "لمصطفى خليل بريز"، ضابط الاستخبارات ، على الجبهة السورية، قبل الانقلاب البعثي ...

اقرأ الكتاب تعلم كيف تم سحب "طعام الطوارئ: من بين يدي الجنود قبل المعركة بأمر من وزارة الدفاع الملغومة بوزيرها، ولتعرف أيضا كيف أن الملاغم الأرضية التي كانت تحمي نقاط االتقدم الإجبارية لآليات العدو لم تفجر ...

مصطفى خليل بريز رحمه الله تعالى، دفع ثمن هذا الكتاب، من حياته، فقد خطف على إثر تأليفه من لبنان، ومكث في سجون الطاغية عشرين عاما... ونحن الجيل الذي اشتراه سرا، وقرأناه سرا، وتداولناه سرا ، وحفظنا ما فيه فرسم لنا أفق مستقبل ما زلنا ننشده...

أعلم الآن لذاذة قراءة الممنوع والمحجور ، ولذا لم أؤمن يوما بحكمة منع الكتاب. منع الكتاب وإن كان ما فيه باطلا ، يعطيه مصداقة مسبقة، في مخطوطات التراث نسخ كثيرة لكتب ابن الرواندي الزنديق ..وفي مكتبتي الصغيرة في لندن واحد منها ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 953