إضاءاتٌ في مواجهة العدو
ابتداءً! قبل أن يَطْلُعَ علينا بعضُ الصعاليك، وناقصو العقل والدين، ويتفذلكون، ويتحذلقون، ويتفيهقون قائلين: إن هذا الكاتبَ، حاقدٌ على الشعب السوري.
نقول: إن الكاتبَ هو من أصل الشعب السوري، ومن جرثومته الأصيلة. وعائلتُه هي من أكبر العائلات في سورية، بل في الوطن العربي كله.
لأن فروعها تمتد من الخليج إلى المحيط ، وتنتمي إلى الحظيرة النبوية الشريفة، والدوحة الهاشمية العريقة، ويعرفها القاصي والداني. وهذه وثيقة من رابطة الأشراف في المغرب ، تثبت ذلك.
- القتال في الإسلام ! لا يجوز أن يكون إلا في سبيل الله.. انقياداً لأمر الله تعالى ( وقَاتِلوا في سَبيلِ اللهِ الذينَ يُقاتِلُونَكُمْ ) البقرة 190.
- وهذا يمكن أن يكون معلناً، ومصرحاً لكل المقاتلين، إذا كانوا جميعاً يقاتلون ضمن مجموعة مؤمنة ملتزمة ؛ ترفع راية ( لا إله إلا الله ). وكان القائد مؤمناً صادقاً، ويحرض جنوده على القتال في سبيل الله أيضاً.
- أما إذا كان المقاتلُ المسلمُ الملتزمُ ، لا يجد مجموعةً مؤمنةً مستقلةً ، تُقاتلُ في سبيل الله.. فعليه واجبٌ أن يعمل على تشكيلها، من أصحابه ، وإخوانه ، وجيرانه الذين يحملون نفس أفكاره ؛ وينحاز بعيداً عن كل المجموعات الجاهلية الأخرى ، التي تُقاتلُ في سبيل التراب ، أو تُقاتلُ في سبيل الدرهم والدينار ، أو تُقاتلُ في سبيل المحتل الأجنبي ؛ لتحقيق مصالحه الأمنية والقومية ، أو تُقاتلُ في سبيل الممول الأجنبي الخارجي.
- فإذا لم يستطع هذا المقاتلُ المسلمُ الملتزمُ ، العثورَ على مجموعة مقاتلة مؤمنة ، تقاتل في سبيل الله ، ولم يستطيع تكوين مجموعة مؤمنة تقاتل في سبيل الله ، فليبحث عن مجموعة مقاتلة مستقلة ، لا تقاتل في سبيل مصلحة أجنبية ، وتقاتل بجد وصدق في سبيل الدفاع عن الأهل ، والأرض ، والعرض ، وفيها خليطٌ من المقاتلين الذين بعضهم يقاتلُ في سبيل الله ، وبعضهم الآخر يقاتلُ في سبيل الأرض ، فلينضمَ إليهم ، وينوي القتالَ في سبيل الله ؛ للدفاع عن أرضه ، وعرضه ، وماله.
لأن القتالَ في سبيل اللهِ ، هو عبارة عن نية قلبية ، لا يعلمها إلا الله تعالى ؛ تطبيقاً للحديث الصحيح ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئٍ ما نوى ) فإن قُتل يكون شهيداً.
- وأما إذا استعرت الحرب في بلد ما.. فلا يحق للمسلم أن يهرب ؛ لينجوَ بنفسه!! فهذا عملٌ انهزامي ، وجبنٌ ، واستخذاءٌ ، وخيانةٌ لله ورسوله وللمؤمنين..
بل عليه أن يقاتلَ حتى آخر رمق ، ويعملَ بقول الله تعالى ﴿ قَاتِلوهُمْ یُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَیۡدِیكُمۡ وَیُخۡزِهِمۡ وَیَنصُرۡكُمۡ عَلَیۡهِمۡ وَیَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمࣲ مُّؤۡمِنِینَ ﴾ التوبة 14. ( وَقَاتِلوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةࣱ وَیَكُونَ ٱلدِّینُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ ) الأنفال 39.
- لا يجوزُ للمسلمِ بأي شكلٍ من الأشكال ، أن ينهزمَ ، ولا أن يفرَ ، ويولي الأدبار ؛ لأجل دنيا فانية ، ولأجل متعها الزائلة ؛ أو بسبب الخوف من الموت.
والصحابةُ الكرامُ! كانوا ينتظرون لحظة بدء القتال على أحرٍ من الجمرِ ؛ ليموتوا في سبيل الله ، ويحظوا بوسام الشرف الأعلى ( الشهادة في سبيل الله).
- ومما يؤكد قولنا.. الحديث الصحيح المروي عن أبي هريرة في صحيح مسلم ( جاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ إنْ جاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مالِي؟ قالَ: فلا تُعْطِهِ مالَكَ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قاتَلَنِي؟ قالَ: قاتِلْهُ قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قالَ: فأنْتَ شَهِيدٌ، قالَ: أرَأَيْتَ إنْ قَتَلْتُهُ؟ قالَ: هو في النَّارِ)..
- فإذا كان في دين الإسلام ! مرفوضاً إعطاءٌ المالِ للسارقِ ، أو اللصِ ؛ للنجاة من القتل.. فمن باب أولى ألا يكون مقبولاً ترك الأرض وما عليها ، وتسليمها للغاصب الغشوم ؛ للنجاة من القتل.
- وإذا كان هذا يريد أن يهربَ ، وهذا يريد أن يفرَ ، وهذا يريد أن ينجوَ بريشه ، وهذا يريد أن يتخاذلَ ، وهذا يريد أن يستكينَ، وهذا يريد أن يقعدَ ويستريح. فمن الذي سيدافع عن البلاد إذن ؟! ومن الذي سيدافع عن حرمات الله ، وعن الحرائر ، وعن المستضعفين من الشيوخ ، والعُجَّزِ ، والرُضَّعِ ، والنساء المحصنات ، والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ، ولا يهتدون سبيلاً.
- هل في دين السماء ، أو في دين الأرض ، أو في أخلاق ، وقِيَم شعوب الأرض قاطبة.. أن يخرج ثلثُ سكان بلد ما ، سبعة ملايين نسمة ، يخرجون من أرضهم ، زُرافاتٍ ووحداناً ؛ يهيمون على وجوهم ؛ خوفاً من الموت الذي سيلاحقهم عاجلاً أو آجلاً ، وأينما كانوا ، ولو كانوا في بروجٍ مشيدةٍ ، ويركبون البحر في زوارق مطاطية ممزقة ضعيفة ، ولا يخافون من الموت ! فيا للعجب العجاب !
- هل قرأ أحدٌ في تاريخ الأمم ، والشعوب الغابرة، أو سمع في أخبار القبائل ، والعشائر الماضية، أو شاهد في أسفار ، وكتب الأديان السابقة، أن شعباً ما ! قام بثورة على حاكمه المجرم ، السفاح ، القاتل.. ثم هربَ ، وفرَ كالفئران من خلال الزواريب ، والجحور ، والأنفاق تحت جنح الظلام ؟! وتركَ إخوانه ، وأخواته في المعتقلات ، وفي أقبية السجون ، يئنون من العذاب ، والتعذيب ، قبل أن يقضيَ على الحاكمِ المجرمِ؟!
- وهل قرأ أحدٌ ، أو سمع ، أو شاهد.. أفراداً من شعب ثائر ، يحملون السلاح بذريعة أنهم يريدون حماية أهلهم ، وأرضهم من الطُغاة ، والبُغاة ، والبُغاث ، والصائلين.. وقد كانوا على بعد عدة كيلو مترات من جحر الطاغية السفاح.. فأبوا أن يقتلوه ؛ ويدمروا عليه جحره ؛ وانسحبوا صاغرين ؛ منهزمين ، مستسلمين ، وسلموا أسلحتهم ؛ وعتادهم لعدوهم ؛ لينجوا بريشهم ؟!
- وهل قرأ أحدٌ ، أو سمع ، أو شاهد.. مجموعات مسلحة عديدة تشكلت بحجة الدفاع عن الثائرين.. وإذا بها - بين عشية وضحاها - تنقلب للدفاع عن الطاغية المجرم ، وعن المحتل الأجنبي ؛ وتتحكم بالشعب الثائر المحشور في زاوية صغيرة من الوطن ؛ بالحديد والنار ؟!
- بالتأكيد لم يقرأ أحدٌ ، ولم يسمع ، ولم يشاهد في أمم سالف الزمان ذلك.. ولكن الجميع رأى رأي العين ؛ ما فعله ذلك الشعبُ الغريبُ الأطوارِ ، والغريبُ النشأة ، والتكوين ، والمتناقضُ في تصرفاته ، وسلوكه ، المسمى الشعب السوري.. الذي هيأ له الله فرصة ذهبية ؛ لم يكن يحلمُ بها ؛ ولم يكن يتوقعها ؛ للنجاة من طغيان ، واستبداد الطائفة النصيرية المارقة المجرمة.. لكنه أخفق في إدارة الثورة.. وخرج من بين صفوفه غربانٌ ، وثعالبٌ ، وضفادعٌ ، وعقاربٌ ، وأفاعي أكلت الأخضر واليابس.. ثم ولى الأدبار ؛ لا يلوي على شيء .
- لا يتولى من الزحف ، ولا يفرُ ، ولا يهربُ من مواجهة الأعداء.. إلا كلُ جبانِ رعديدٍ ، خسيسٍ ، متخاذلٍ ، عديم الشرف والدين ، والكرامة ، والعزة ، والإباء.. والشاعر المتنبي يقول لهم.. ولكل جبان رعديد:
عِشْ عزيزاً أوْ مُتْ وَأنتَ كَرِيمٌ ...... بَينَ طَعْنِ القَنَا وَخَفْقِ البُنُودِ
هكذا الرجالُ الأبطالُ الشجعانُ يفعلون.. لا يهابون الموت ، بل يطلبون الموت ، لينتقلوا إلى حياة الجنان الأبدية ، بل يفرحون بالموت في سبيل الله..
وهكذا كان يفعل الصحابةُ الكرامُ.. يحرصون على الموت ؛ لتوهب لهم الحياة الكريمة العزيزة ؛ أو ليفوزوا بمقعد صدق عند مليك مقتدر..
- أما في حالة عدم وجود حرب ولا احتلال.. وإنما وجود حاكم ظالم طاغٍ متجبر.. فيمكن للمؤمن إذا شعر بالخطر على نفسه.. أن يترك البلد ليحفظ دينه..
- والأفضل أن يبقى .. كما فعل الشيخ الحموي محمد بشير المراد ، في عهد حافظ ، الذي عرض عليه مناصب حكومية رفيعة ، وأموالاً طائلة ؛ لأجل أن يخفف الغليان الشعبي في الثورة الأولى ، في ثمانينات القرن الماضي. ولكنه ، أبى ذلك ، وأبى أن يترك البلد مثلما فعل مشايخ آخرون.. ونال الشهادة التي كان يطلبها ، ويطلبها كلُ مؤمنٍ صادقٍ. وغيره نال الخزي والعار ، والذل والهوان..
وسوم: العدد 954