من سوريا إلى ليبيا وبالعكس: قداسة الكعكة
إذا كانت مجموعة الاتصال الدولية التي أطلقت على ذاتها تسمية «أصدقاء سوريا» قد نفعت الشعب السوري في قليل أو كثير، فإنّ المؤتمرات الدولية التي تعاقبت في موسكو وبرلين وباريس حول ليبيا يمكن أن تسير على المنوال ذاته؛ لجهة التعطيل أو التعقيد أو الإفساد أو توزيع الحصص وتقاسم المصالح، وليس عكس هذه المفردات جمعاء.
وليس من سخريات التاريخ، بل من دروسه البليغة حين تُعاد محطاته، أن يكون الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي (الذي بيّض صفحة بشار الأسد ودعاه إلى جادة الشانزيليزيه للاحتفال بعيد الثورة الفرنسية)؛ هو نفسه صاحب المبادرة إلى إطلاق مجموعة «أصدقاء سوريا». وأنْ، في المقابل، يكون الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون (سند المشير الانقلابي خليفة حفتر، إلى جانب الإمارات ومصر وروسيا، على نقيض من قرارات الأمم المتحدة التي ظلت تعترف بحكومة فايز السراج)؛ هو راعي المؤتمر الأوسع نطاقاً حول ليبيا، والذي احتضنته باريس وشاركت فيه وفود من 30 بلداً إضافة إلى الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي.
غير أنّ محطات التاريخ إياها، هذه التي في سوريا كما في ليبيا، هي التي تستحثّ على استذكار واحد من أبلغ الدروس، وأكثرها تكراراً في تجارب الشعوب مع القوى الكبرى، الاستعمارية سابقاً والإمبريالية لاحقاً ودائماً؛ لجهة إعلاء مبدأ تقاسم الكعكة، في مجتمعات الحروب الأهلية أو ما بعدها، بدل اقتراح الحلول الناجعة والانخراط فعلياً في تنفيذها على الأرض. فهل من عجب، إلا عند أصحاب النوايا الحسنة والسذّج على نحو إرادي مَرَضي، أن يكون المرشح الرئاسي المرضي عنه لدى الولايات المتحدة هو حفتر؛ أمير الحرب، الانقلابي، المصاب بأمراض عُظام لا شفاء منها، المُحال راهناً أمام محكمة أمريكية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في ليبيا؟ أم هو أكثر عجباً أن يرسل المشير نجله إلى تل أبيب، بطائرة خاصة أقلعت من دبي، لخطب ودّ الاحتلال مقابل الوعد بالتطبيع إذا فاز حفتر الأب برئاسة ليبيا؟
والمنصت إلى المرشح الرئاسي سيف الإسلام القذافي، وقد تسربل بالأردية التي لا تترك ريبة في أنه من عشيرة القذاذفة كابراً عن كابر، يخال أنّ العقيد الأب المقبور هو الذي ينطق؛ وليس الشابّ ما بعد الحداثي، «الدكتور» في الاقتصاد من مدرسة لندن العريقة، المؤمن بمبدأ «التدرّج» في حيازة التأثير السياسي على طريقة التعرّي البطيء عند راقصة الستربتيز. لكنه مرشّح موسكو المفضّل، وهو بذلك خيار مرتزقة «فاغنر» الأقرب إلى جيش الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غير المسمّى، ويتردد أنّ موسكو استمالت إيطاليا ونظام عبد الفتاح السيسي لدعمه؛ وكلّ هذا رغم أنّ هذا المرشح محكوم بالإعدام في بلده ليبيا، ومطلوب من المحكمة الجنائية الدولية منذ العام 2011.
أولئك الذين لا يجدون في هذا وذاك أيّ عجب، لأنهم ببساطة على يقين من أنّ اقتسام الكعكة، على نحو يكفل حسن المحاصصة في خدمة المصالح، هو المبدأ الأكثر قداسة لدى الدول المعنية بدعم حفتر أو القذافي، وعلى قدم المساواة أمثال عقيلة صالح وفتحي باشاغا وأسامة البرعصي، أو حتى رئيس الوزراء الحالي عبد الحميد دبيبة إذا تقدّم بأوراق ترشيحه اتكاء على مقررات مؤتمر باريس المناقضة لتوافقات سابقة اشترطت عدم دخوله في التنافس على رئاسة الجمهورية.
وهؤلاء، ممّن لا تفاجئهم أيّة رياح تتقلب وتنقلب في هذه اللعبة، قد تستهويهم لعبة استعادة التناقضات القصوى بين رياح ورياح لدى الجهة ذاتها؛ على غرار تصريح وزير خارجية الإمارات في مؤتمر «أصدقاء سوريا»، صيف 2012: «كفى قتلاً وتعذيباً ومجازر» يرتكبها النظام السوري، و»كفى علينا المشاهدة والحديث»؛ وزيارته إلى دمشق مؤخراً للقاء رأس النظام السوري، ذاته، وقد تضرّجت يداه بمزيد ومزيد من دماء الشعب السوري. الأمثلة من ليبيا، بصدد مزاولة اللعبة وتقليب الرياح شمالاً أو جنوباً، لا تُحصى؛ ولا فائدة، أصلاً، من تعدادها حتى على سبيل اللهو.
وسوم: العدد 956