سوريا: من ثكنة الحرب إلى مصنع المخدرات!

أقرّ الكونغرس الأمريكي الأربعاء الماضي مشروع قانون يطالب بالكشف عن ثروة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وعائلته، وهذا القانون، الذي صدر ضمن إقرار موازنة وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2022، يعطي مهلة زمنية محددة للإدارة الأمريكية الحالية لإصدار «تقرير مفصل» عن «صافي ثروة الأسد وأفراد أسرته، بمن في ذلك أبناء عمومته وعماته».

يشدد القانون على زيادة التنسيق لتطبيق العقوبات الأمريكية على النظام السوري، ويتحدث عن الدخل الناتج عن «الأنشطة الفاسدة أو غير المشروعة» التي يمارسها النظام السوري، ومراقبة «الفساد المستشري» لضمان عدم توجيه الأموال إلى الجماعات الإرهابية، ورغم أن النواب الأمريكيين لم يوافقوا على مجمل تفاصيل القانون، وخصوصا التعديلات التي اقترحت لمتابعة تجارة المخدرات، التي قدّرها أحد النواب، بـ«مليارات الدولارات» وذلك «لتعطيل وتفكيك إنتاج نظام الأسد غير المشروع للكبتاغون وتهريبه في سوريا» فإن القانون، موضوع عمليا، لمعالجة هذا الملف.

يشير القرار، بشكل رمزي، إلى مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها، في المآل الذي آلت إليه سوريا.

لقد سُمح، عمليا، للنظام بتخطي «الخطوط الحمراء» الشهيرة، خلال الحرب التي شنّها منذ عام 2011 ضد شعبه، وأدى ذلك إلى أكبر حركة نزوح بشرية منذ الحرب العالمية الثانية، وكان لافتا وصف مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك لما حصل، في موضوع النزوح واللجوء، بـ«أكبر حكاية رعب إنسانية في القرن الواحد والعشرين».

أفضى تقاعس الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، عن وضع حدّ لتلك المأساة إلى فيضان من اللاجئين في البلدان المجاورة لسوريا، ثم في أوروبا وباقي المعمورة، أما الرئيس اللاحق، دونالد ترامب، فوجد حله المشهور لقضية اللاجئين بوضع السوريين، إضافة إلى خمس دول ذات غالبية مسلمة، على قائمة منع الدخول لأمريكا «إلى أن نعرف ماذا يحصل هناك» على حد قوله.

تنبّهت الدول المجاورة إلى تحول سوريا إلى عاصمة حبوب مخدر «الكبتاغون» في العالم عام 2018 حين ضبطت فرق خفر السواحل اليونانية شحنة مخدرات كبيرة تقدر قيمتها بـ100 مليون يورو، وعقب فحص الوثائق المتعلقة بالسفينة وبيانات تسجيل الشركة وتتبع السفن إلى شبكة تقود إلى ميناء اللاذقية السوري الذي تهيمن عليه «الفرقة الرابعة» التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، كما انكشف أن مالك السفينة يرتبط بعلاقات وطيدة مع مضر الأسد، ابن عم رئيس النظام، وأن أحد مصانع الكبتاغون يعود إلى سامر كمال الأسد، عم الرئيس.

بعد عمله على اعتقال وقتل مئات الآلاف، ثم تسببه بطوفان اللاجئين الهاربين، تبيّن أن النظام السوري حوّل البلد إلى مركز للمصانع والتهريب الممنهج والمنظم، وما عاد يمرّ شهر من دون إعلان عن شحنات مضبوطة في اليونان ومصر والسعودية والأردن وإيطاليا وتركيا، وفي تموز/ يوليو 2020 وحده اعترض مسؤولو الموانئ الإيطالية شحنة مخدرات بقيمة 1,1 مليار دولار، كانت الأعلى على مستوى العالم، وفي تشرين ثاني/نوفمبر وكانون أول/ديسمبر 2020 أحبطت مصر ثلاث محاولات تهريب قادمة من ميناء اللاذقية قدرت قيمتها بملياري جنيه مصري، فيما أحبطت السعودية أكثر من 16 شحنة كبتاغون، كان مصدرها جميعا سوريا أو لبنان.

بعد اقتصاد الفساد والنهب، واستمرار اقتصاد الحرب والاستيلاء على ممتلكات النازحين (وحتى المقيمين) قام النظام السوري بنقلة «حداثية» كبرى حيث صنع دولة للمخدرات العالمية التي يرفدها 15 مصنعا كبيرا، تقوم قوات الجيش والمخابرات وشركات الأمن الخاصة على حمايتها، وقدّر «مركز التحليل والبحوث العملياتية» قيمة صادرات الكبتاغون عام 2020 بما لا يقل عن 3,46 مليار دولار، وتستخدم عائدات هذا «الاقتصاد الجديد» في تكريس سلطة العائلة الحاكمة وتغطية نفقات الحرب، لتسديد جزء من فواتير «الحلفاء» الروس والإيرانيين.

تضيف العائلة الحاكمة في سوريا هذا الإنجاز إلى مجموعة «انتصاراتها» الأخرى، وبعد تهجير قرابة نصف الشعب، وتأسيسها لاحتلالين مديدين متطلّبين، أصبحت فعليا مركزا عالميا للمخدّرات إلى الدرجة التي اضطرّت أمريكا، التي لم تتحرّك حين قصف السوريون بالسلاح الكيميائي، إلى إصدار قانون لمعرفة حجم ثروة عائلة الأسد!

وسوم: العدد 959