استغلال المنصب للاعتداء على الأعراض أو مساومتها آفة خطيرة تهدد منظومتنا الأخلاقية
الفضيحة الأخلاقية التي دوّت في المؤسسة الجامعية بمدينة وجدة ليست الوحيدة ، ولا الأولى من نوعها في بلادنا ، ولن تكون الأخيرة ـ لا قدر الله ـ لأنها سبقت بفضائح مماثلة في مؤسسات جامعية وتربوية أخرى بعدة مدن . ولا تقتصر مثل هذه الفضائح على قطاع التربية والتعليم دون غيره من القطاعات العمومية والخاصة أو الشركات أو الأسواق ... أوغيرها ، ذلك أنه حيثما وجد أصحاب مناصب وسلط منعدمو الضمائر ، ولا خلاق لهم ، فإنهم يستغلون من يعملن من الإناث تحت سلطتهم من خلال مساومتهن في أعراضهن أو الاعتداء عليها مقابل امتياز يكون إما نجاحا في امتحان أو مباراة أو ترقية ... أوغير ذلك .
وتختلف ردود الأفعال عند من يساومن في أعراضهن من طرف المتحرشين بهن من المسؤولين الذين يعملن تحت سلطتهم أو يدرسن عندهم إن كانوا أساتذة ومشرفين على بحوثهن، ذلك أن بعضهن ينتفضن بمجرد تعرضهن لأول مساومة ، وقد يتعرضن بسبب ذلك للانتقام بذرائع مختلقة من طرف المساومين من المتحرشين بهن ، بينما يخضع ويسكت بعضهن عن مساومة أعراضهن ليس رغبة في ما يقدم لهن من عروض مغرية مقابل الاعتداء عليهن بل مخافة الفضيحة ، وهو ما يجعل من يساومهن يتمادون في المساومة طمعا في تحقيق ما يريدونه منهن مع مرور الزمن . وقد يخض بعضهن للمساومة رغبة في الحصول على الامتيازات ، ويتراوح الاعتداء عليهن بين الاغتصاب وبين ما دونه مما يمتهن كرامتهن ، وفي هذه الحالة يكن طرفا في الجرم حيث يقابل جرم من اعتدى على أعراضهن بجرمهن المتمثل في الرغبة في الحصول على تلك الامتيازات دون استحقاق ومقايضة ذلك بأعراضهن .
وقد يتعلق الأمر باشتراك المتحرشين أصحاب المناصب مع المتحرش بهن في الفساد الخلقي حيث يميل جنسيا بعضهم إلى بعض بحكم ظروف العمل أو الدراسة ، وتستفيد المتحرش بهن في هذه الحالة من الامتيازات أيضا ، ويكون الجرم المشترك بينهم مزدوج فساد أخلاقي، وحصول على امتيازات غير مستحقة .
ولا بد لمحاربة هذه الآفة الخطيرة من تخليق كل القطاعات العامة والخاصة ، وذلك من خلال مراجعة قوانين الردع إن كانت موجودة من خلال تشديد العقوبة بالنسبة لمن يدانون بها من الطرفين: المعتدون على الأعراض من ذوي المناصب ، والمعتدى عليهن ممن يعملن تحت سلطتهم ، مع الأخذ بعين الاعتبار حالة المعتدى عليهن من أجل التمييز بين من كن حقيقة ضحايا رغما عنهن ، وبين من شاركن في الجرم " رضائيا " كما أصبح دعاة الفساد يسمونه اليوم ، أو طمعا في الامتيازات على اختلاف أنواعها بحيث تخصص عقوبة للتورط في جريمة الزنا ، و أخرى لاقتراف جريمة الحصول على ما لا يحصّل إلا من جهة مشروعة وعن جدارة واستحقاق، وبهذا يمكن تحصين الأعراض من طمع الطامعين، وجشع المغرضين . وهذه مهمة ومسؤولية القضاء من جهة ، ومن جهة أخرى مسؤولية المسؤولين الكبار على كل القطاعات التي قد تحدث فيها مثل هذه الآفة والمعرة المخزية .
ولسنا ندري كيف يمكن أن يوفق دعاة ما يسمونه بالرضائية ، وبين ما يحصل في مختلف القطاعات من اعتداء ذوي المناصب على أعراض من يعملن تحت سلطتهن وهو استغلال جنسي ، ذلك أن هذا السلوك المشين قد يبرره المساومون للأعراض والمعتدون عليها بذريعة ما يسمى العلاقة الرضائية ؟
ولقد كشفت الفضيحة الأخلاقية في المؤسسة الجامعية بوجدة عن تراخي المسؤولين في التعاطي مع شكايات المعتدى عليها بعدم أخذها على محمل الجد ، والتدخل قبل وقوع أي اعتداء عليها ، لهذا يجب على كل المسؤولين في كل القطاعات أن يبادروا بفتح تحقيقات جادة بمجرد توصلهم بشكايات أو بإشارات تدل على وجود ما يثير الشكوك بخصوص محاولات التحرش ومساومات الأعراض مقابل الحصول على حقوق قد تكون مستحقة لكن تماطل أو يمنع الحصول عليها بسبب المساومة وقد تكون أيضا امتيازات غير مستحقة . ولا بد أن تكثر و تفعل الخطوط الهاتفية الخضراء بالنسبة لكل القطاعات من أجل تمكين الجميع من التبليغ عن كل المحاولات المتعلقة بمساومة الأعراض أو الاعتداء عليها .
وفي الأخير لا بد أن تحيى فريضة النهي عن المنكر في كل القطاعات بحيث ينخرط فيها كل من ينتمون إليها حين يوجد ما يدعو إلى ذلك خصوصا ما يتعلق بمحاولات الاعتداء على الأعراض دون سيادة فكرة " هذا شأن لا يعنيني " التي يجب أن تحارب من خلال تخصيص عقوبة لها أيضا باعتبارها سكوتا عن الجرم أو تسترا عليه ، أو مشاركة فيه بأسلوب أو بآخر، ذلك أن الصمت على الجرم قد يكون له هو الآخر مقابل أو امتياز غير مستحق ، وحينئذ يصير المشارك فيه طرفا مدانا أمام الله عز وجل وأمام القانون .
وسوم: العدد 962