ضد المواقف المخلّاة
نكتب كثيرا تحت عنوان، (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) . ندعو الناس إلى اللجوء إلى أهل الرأي في المهمات، والمشتبكات والمعقدات والمختلطات، حيث تختلط المصالح بالمفاسد، ويدق النظر، ويصعب معرفة المآلات.
العربي الاول قال:
تُهدى الأمور بأهل الرأي ما صلُحت .. فإن تولت فبالأشرار تنقاد
وقوله بالأشرار معنى مفتوح على الخبل والخلل وإرادة السوء.
الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول " لا يكون الرجل فقيها حقا حتى يميز بين أكبر المصلحتين وأدناهما، فيحقق الكبرى ويفوت الصغرى. وبين أخطر المفسدتين وأصغرهما، فيحتمل الصغرى ويدرأ الكبرى.
حسابات المواقف السياسية ليست دائما بيضاء وسوداء. وليست دائما في متناول أيدي الصارخين " عليهم عليهم" .وأحيانا تحتاج الى موازنات دقيقة وصعبة ومحرجة يحتملها أهل الرأي على صعوبتها.
وأهمية هذه المواقف ان تشهر في وقتها، وأن يحتمل مسئوليتها " أهل الرأي" أو "الذين يستنبطونه" في اللجوء إلى معايرات وموازين ومكاييل ومقاييس ذرية دقيقة. بالميزان الذري وليس بميزان الفجل والجزر.
استعملتُ عنوان "القضايا المخلّاة" وهو عنوان استعيره من مصطلحات الفقهاء في حديثهم عن "الدجاجة المخلّاة" وأزعم بأن الثورة لا يمكن ان تكون في أمرها مثل "الدجاجة المخلاة" وأصر وأدعي انها في أمور كثيرة كانت!!
وليس مثل تدفق الماء في منحدر. وليس "كجلمود صخر حطه السيل من علِ"
ولا يجوز ان تظل الثورة منذ أحد عشر عاما حبيسة منعرج اللوى..على ما قال دريد بن الصمة يوم أمر قومه فغلبه من لا رأي له على أمره حتى قال:
أمرتهـــــــمُ أمـــــــــري بمنعــــــــــــرج اللـــــوى .. فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت .. وإن ترشــــــــــــد غزيــــــــــة أرشـــــــــــــــــــد
لا أظن أن أحدًا منا يرضى ان يُحبس مع غزية في منعرج اللوى ونحن في القرن الخامس عشر من دعوة الاسلام. وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم " لا يقل أحدكم انا مع الناس إن أحسنوا أحسنت، وإن ظلموا ظلمت. ولكن وطنوا أنفسكم إذا أحسن الناس ان تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا"
وأكتب لأزعم أننا لو بحثنا عن القرارات الاستراتيجية الأخطر في تاريخ الثورة السورية، التي هي ثورة كل السوريين لما وجدنا لها أما ولا أبا ، ولا يزال الناس يتدافعونها سكارى وما هم بسكارى ولكن الإصر الذي حمله الناس شديد.
وأكتب لأزعم ان ثمة عشرات القضايا بين ظهراني الثوار السوريين، تحتاج اليوم مع وطأة المتغيرات إلى مقاربات أولي الأحلام والنهى من ذوي الرشد من الحزمة الوطنية الجامعة، ولكن الأكثرين يصرون على التواري في ثنيات منعرج اللوى، ثم يغنون:
فلما عصوني كنت فيهم وقد أرى غوايتهم وأنني غير مهتدي
سكوت أهل الرأي، وإعراض الذين يستنبطونه ، خوفا أو طمعا هل يعفيهم أمام الله والناس من المسئولية.
عن رهن مصير هذه الثورة بنوع من " الفوضى" التي لا يمكن ان تكون خلاقة أبدًا أهو التفريط والتضييع إذن.
ولأهل الدين والأحلام والحجا أكتب إن الله قد أخذ العهد على أهل العلم (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ) لا رغبة ولا رهبة.
وسوم: العدد 962