مبادرة الديمقراطية..قيادة وطنية موحدة بوجه ديمقراطي
تتميز الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بحكم موقعها السياسي والوطني وتاريخها الحافل في الفعل الفلسطيني العام ومنظمة التحرير الفلسطينية بشكل خاص، إلى احتكامها لعنصر المواظبة والالتزام الوطني نحو تحقيق الوحدة الوطنية والشراكة السياسية باعتبارها صمام الأمان لشعبنا، وهذا كان واضحًا في المحطات النضالية كافة للشعب الفلسطيني بمختلف مراحلها وظروفها حين كانت ترفع دومًا شعار الوحدة على رأس أي فعل نضالي، لا سيما اليوم نمر في ظروف حالكة ما أحوجنا لأن نعزز هذا الدور النابع من المسؤولية الوطنية من أجل الخروج من المأزق المعقد، وإنهاء حالة التشظي الداخلية.
ليس بجديد على الجبهة الديمقراطية أن تطرح مبادرة سياسية عنوانها إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، فكانت على مدار تاريخ شعبنا سباقة في طرح نفسها للنموذج الوحدوي في كافة محطاتها النضالية، ومن أبرز اسهاماتها "تشكيل القيادة الوطنية الموحدة" في فترة الثمانينات ودورها الطليعي في اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، ومدى أهمية تأسيس هذا الإطار الذي وحد الجماهير في الأراضي الفلسطينية على صعيد المواقف السياسية والفعل الشعبي الميداني، أي تجسيدًا لشعار "شركاء في الدم .. شركاء في القرار".
وإن أهم ما تناولته المبادرة السياسية في الجمع بين المعالجة الجذرية للمأزق الفلسطيني والذي يشمل الصراع السلطوي والاصلاح الوطني الشامل سواء على صعيد منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة كجهاز إداري، وتشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة، إلى أن تتحقق الانتخابات الشاملة ولو بشكلِ تدريجي والتي تشمل (رئاسية وتشريعية والمجلس الوطني الفلسطيني(، من أجل إحداث التغيير الديمقراطي على كافة المستويات، ومحاولة استنهاض عناصر القوة الفلسطينية ودورها الفاعل في تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي لعام 2018، 2015.
وهنا، مزجت الجبهة الديمقراطية من خلال هذه المبادرة بين الأهداف الوطنية المطلوب انجازها والحياة العامة للإنسان الفلسطيني الذي انهكه الانقسام وتأثيراته على المستوى الوطني والحياتي، والذي أفرز نتائج مدمرة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي بشكل خاص، الأمر الذي جعل الجبهة تطرح خطتها ومبادرتها التي تقوم على البدء بإجراء حوار وطني شامل، والعمل على وقف التراشق الإعلامي بين طرفي الانقسام، ووقف كل أشكال القمع والاعتقال السياسي، من أجل إيجاد مناخ مناسب يشكل رافعة حقيقية تخدم خارطة الطريق الجديدة والتي عنوانها الوحدة الوطنية.
حيث أن توقيت إعلان المبادرة جاء دعمًا واسنادًا لجهود دولة الجزائر الشقيقة وهي دائماً تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني عبر مراحل نضاله المختلفة، والتي تهدف إلى تحريك المياه الراكدة في الملف الفلسطيني المعنون بالمصالحة، كما أن هذا اللقاء الثنائي مع الفصائل الفلسطينية يأتي تحضيرًا للقاء جامع لإنهاء حالة التشظي التي عطلت مناحي حياة الشعب الفلسطيني. ويكمن أهمية تنظيم هذا الحوار في الجزائر الذي يأتي في ظل تأجيل جلسة المجلس المركزي، وتعطيل مؤسسات منظمة التحرير نتيجة غياب القانون، والتي من شأنها أن تشكل مدخلاً للشراكة الوطنية والتمثيل الشامل داخل أروقة المنظمة باعتبارها ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
والجدير ذكره، أنه لم يتبقى من اتفاق أوسلو سوى الملف الأمني والاقتصادي فقط، والذي عادة ما تتعاطى به القيادة الفلسطينية بعيداً عن الإجراءات السياسية الواجب اتباعها في إطار قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي الذي يكفل الحقوق الوطنية والإنسانية للشعب الفلسطيني في ظل التعنت الإسرائيلي وعدم التزام اسرائيل بأي اتفاقات سابقة. وهنا لم يبقى أمامنا سوى ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، والاتفاق على استراتيجية وطنية كفاحية تخدم تطلعات وآمال شعبنا.
وهنا أوجه النداء إلى القوى الديمقراطية على الساحة الفلسطينية والمشاركة في الحوار الوطني في الجزائر بأن تتفق على رؤية محددة يتم طرحها خلال الاجتماعات لتنفيذ خطوات ملموسة من أجل إنهاء حالة التفرد والهيمنة والمحاصصة الثنائية بين طرفي الانقسام، وتجسيد حالة التوافق الوطني الشامل داخل البيت الجامع منظمة التحرير الفلسطينية. وفي إطار التحضير لجلسة المجلس المركزي التي لم تحدد بعد، أقترح أن يتم انعقاد الجلسة في دولة الجزائر الشقيقة باعتبارها راعية هذا الحوار الوطني، على أن تشمل هذه الجلسة حضور كافة الفصائل الفلسطينية الفاعلة ومنها حماس والجهاد الإسلامي، ومؤسسات المجتمع المدني ذات الصلة، من أجل الاتفاق على مخرجات يتم تنفيذها خلال سقف زمني محدد.
إن إعادة الثقة بمنظمة التحرير الفلسطينية تبدأ بإعادة تفعيل القانون، ووقف كل أشكال التداخل بين مهام السلطة الوطنية والمنظمة، إضافة إلى تعزيز صلاحيات أعضاء المنظمة ومبدأ الشراكة السياسية الكاملة بين الكل الفلسطيني على أن تكون قرارات المنظمة هي القرارات النافذة لمواجهة التحديات الكبرى والماثلة أمامنا، والتي تعصف بالمشروع الوطني الفلسطيني بما يسهم في إعادة اللحمة لأبناء شعبنا في كافة أماكن تواجده.
وسوم: العدد 964