دخل الإسلام مصر … الأسبوع الماضي!
وكأن الإسلام ظهر بالأمس في مصر، وكأن الفتح الإسلامي للمحروسة كان الأسبوع الماضي فقط!
فقد بدأت الأبواق التابعة لأهل الحكم (إعلامية ودينية) تتحدث عن قيمه وتقاليده في التعامل مع الموتى، حتى انبعث أشقاها فضيلة مفتي البلاد فاتهم من يشمتون في الموت بأنهم السفهاء من الناس؛ الذين قست قلوبهم فأصبحت كالحجارة، بل أشد قسوة! واندفع وزير الأوقاف ليفتي بأن الشماتة في الموت هي سوء أدب مع الله!
ولم تقتصر هذه الفتاوى على الصفحات الخاصة، إنما اهتمت القنوات التلفزيونية بالأمر، فقال أحمد موسى في «صدى البلد»: لا يوجد مسلم يشمت في وفاة أحد، بينما استضاف شريف عامر في قناة «أم بي سي مصر» ليقول الكلام نفسه، ويفتى بالفتوى نفسها!
أصل الحكاية أن الأسبوع الماضي شهد وفاة اثنين من المحسوبين على النظام القائم؛ المستشارة تهاني الجبالي، النائبة السابقة لرئيس المحكمة الدستورية العليا، والإعلامي المعروف وائل الإبراشي، ومن الطبيعي مع مثل هذه الأخبار أن تضج منصات التواصل الاجتماعي بالفرحين بالوفاة، وهو فرح قد نتفهمه ولا نساير أصحابه؛ ذلك بأن واحدة مثل «الجبالي» كانت أسوأ حالاً من الميتين، فقد خرجت على مقتضى الواجب الوظيفي كقاضية، وعارضت الرئيس محمد مرسي كناشطة سياسية، الأمر الذي أضر بسمعة هذه المحكمة، وجعلها جزءاً من الحالة السياسية لا القضائية، وتخضع لحصار جماعة الشيخ حازم أبو إسماعيل، الذين حاصروا مدينة الإنتاج الإعلامي!
ولأن الأجيال التي تفتق وعيها السياسي بعد الثورة، لا تعرف تهاني الجبالي من حيث النشأة والتكوين، فقد أمكنها أن تدخل الغش والتدليس على الناس، وسهلت القوى المدنية مهمتها في اعتبارها جزءاً من الأداء الثوري ضد الرئيس المدني المنتخب، ولم يكن لمثلها أن تتحدث باسم الثورة، واختيارها قاضية تم بمعرفة النظام البائد، وبالمخالفة لمبدأ تكافؤ الفرص، فهي معينة بقرار اداري، وليس عبر ضوابط للاختيار، لكن كونها ناصرية فقد وجدت من يغفر لها ما تقدم من ذنبها، مع جهل الطرف الآخر بأصلها وفصلها.
التفتيش الذاتي في المطار
وفي المقابل فإن الدستور الذي وضع في عهد الرئيس محمد مرسي أخرجها من السلك القضائي، وكان من الطبيعي أن تعود لعملها بعد وقف العمل به في بيان 3 يوليو/تموز 2013، لكنها خرجت ولم تعد، وهو ما تنبأت به مبكراً، لأنها في فترة حكم المجلس العسكري كانت محسوبة على رئيس أركان الجيش الفريق سامي عنان، والجنرال المنقلب يقف في الجبهة الأخرى خلف وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي، لكنها لم تهتم بما كتبته وقلته أكثر من مرة، وإذ استمر عزلها في فترة حكم السيسي ومع الدستور الجديد، فقد لقت جزاء سنمار عندما رفضوا دخولها صالة كبار الزوار بعد الانقلاب، بل وأصروا على تفتيشها تفتيشاً ذاتياً وتفتيش حقائبها واجبارها على خلع حذائها في مطار القاهرة، ولم تكترث سلطات المطار، بالضوضاء التي أحدثتها، وذهبت إلى بيتها تجتر الإهانة، وهي التي لم تجد أحداً من الذين احتفوا بموقفها في عهد الرئيس محمد مرسي يذكر بها أو يدافع عنها، وتوقفت البرامج التلفزيونية عن استضافتها، بعد أن كانت تتنقل بين القنوات وبين الأستوديوهات!
وهي نهاية أليمة، أكثر ألما من الموت، الذي هو حق على الجميع، لكن الناس في ما يعشقون مذاهب، وربما كانوا قد نسوا تهاني الجبالي فتذكروها بخبر وفاتها!
ولا بأس إن جرى تقديمها باعتبارها أم الثوار، ففي مرحلة الفتنة تم التعامل مع لميس الحديدي، التي طردت من ميدان التحرير في أيام الثورة على أنها المناضلة الكبيرة، وقد كانت مطالب الثورة هي طوي صفحة اعلاميي عهد مبارك!
أما وائل الإبراشي، وإن كان لم يحضر لميدان التحرير إلا بعد تنحي مبارك، فقد كان في مرحلة ما بعد الانقلاب يحاول أن يكون له هامش يلعب فيه بشكل مهني، ولا ننسى أنه فجر في برنامجه على قناة «دريم» قضية المختفين قسرياً، صحيح أن أحضر ضيفاً في مواجهة ثلاثة أو أربعة ضيوف، لكن هذا كان في حد ذاته مغامرة، ثم انه استقبل مكالمة هاتفية من الفريق أحمد شفيق ليقول رأياً مختلفاً في قضية تيران وصنافير، على النحو الذي أغضب السلطة الحاكمة، فتم منعه من التقديم، وبعد فترة كان الثمن هو عودته مقابل إلزام صاحب دريم الراحل أحمد بهجت بالتنازل للسلطة عن نصف القناة فلما فعل، لم يلتزموا بشروط التنازل، فقد دفعوا بوائل لتقديم برنامج على التلفزيون الرسمي، لكن بعد فترة قليلة أصيب بكورونا، ليحل محله يوسف الحسيني، التي باضت له اليمامة في القفص، فصار نائباً وعاد مذيعا بعد أن كان قد أحيل للاستيداع!
السابقون في الشماتة
بيد أن الشامتين في وفاة وائل، تذكروا موقفه من الشيخ محمود شعبان، وقد ضيق عليه الخناق ومنعه من أن يدافع عن نفسه في مواجهة الاتهام بأنه تكفيري وقد كفر السيسي، وبدا هذا البرنامج كما لو كان كميناً أمنياً نصب له، ليودع الرجل في السجن الذي كان قد غادره قبل قليل، ولا يزال مسجوناً إلى الآن!
مما ذكره الشامتون لوائل الإبراشي قوله إنه طالب السيسي بأن تكون ذكرى فض رابعة، هي عيد لمصر. ومن حسن الحظ أن السيسي لم يأخذ بهذه النصيحة، ليقودنا هذا إلى بيت القصيد!
فالنظام وأبواقه وأزلامه وذيوله هم من سبقوا في الشماتة، وأعلنوا سعادتهم الغامرة بهذه المجازر، وهم من رقصوا على جثامين شهداء رابعة والنهضة، الذي قتلوا بدم بارد، ولم تراع حرمة الموت فأشعلت السلطات فيهم النيران، وأنصار الانقلاب العسكري هم من لم يراعوا حرمة موت، أو تعاليم أديان، وأحمد موسى نفسه هو من قال إنه يريد أن يرى دماء وجثثاً، وعندما يقول الآن لا يوجد مسلم يشمت في وفاة أحد، فلا معنى لذلك إلا أن يكون الإسلام قد دخل مصر حالاً، فلم تكن تعاليمه معروفة للقوم وهم يفوضون على القتل يرقصون على الجثامين!
وإذا كان من مهام المفتي المكلف بها وظيفياً هو التوقيع على اعدام العشرات أمام محاكم تفتقد لمعايير النزاهة ثم يعتبر أن الشامتين في الموت هم السفهاء الذين قست قلوبهم فلا معنى لهذا إلا أن الفتح الإسلامي لمصر كان في الأسبوع الماضي!
إنه الرعب الذي سيطر عليهم لخوفهم من المعاملة بالمثل!
أرض – جو
إعادة قناة «ماسبيرو زمان» حلقة من برنامج «شاهد على العصر» والمقابلة التي أجراها عمر بطيشة مع تهاني الجبالي في بهو المحكمة الدستورية العليا بمناسبة تعيينها قاضية وكأول امرأة تشغل هذا الموقع، فكشف الحوار على أن ثقافتها القانونية محدودة للغاية!
إعادة «ماسبيرو زمان» لمسلسل «البشاير» الآن، بعد فترة قصيرة من اذاعته على نفس القناة، أمر كاشف على قلة المواد في مكتبة التلفزيون الذي تم تدمير تراثه.
سيكون جيداً أن تأخذ «الجزيرة» بفكرة «ماسبيرو زمان» أعتقد أن تراثها القديم سيجد اقبالاً عليه، عندما كان الاهتمام بالمحتوى وليس الشكل، وعندما كانت كل ممتلكاتها «طرابيزة» وكرسين، وأستوديو فقير، ومبنى في حجم علبة الكبريت كما قال أبو علاء!
مع موظفي ماسبيرو في انتفاضتهم من اجل الحصول على حقوقهم المادية، من دمر المبنى بسوء سياساته وسوء اختياراته، يدفع ثمن هذا التخريب!
بعض المنتمين للنظام العسكري في مصر اندفعوا يدافعون عن امبراطور الإعلام محمد الأمين الذي يخضع للتحقيق بتهمة الاتجار بالبشر، وقد نفوا عنه الاتهام، هل نفهم من ذلك أن النظام من لفق له هذه القضية؟!.. أرجو الرد
وسوم: العدد 964