انتفاضة النقب: زرع الشجر أم قلع البشر؟
تشكل المنطقة الصحراوية قرابة 40 في المئة من جغرافيا فلسطين التاريخية، وهي تمتد من عسقلان على الساحل الغربي لوسط فلسطين حتى رفح، على امتداد حدود سيناء، وتسكنها سبعة تجمعات عربية تشكل 56 في المئة من سكان النقب، الذين يتعرضون منذ تأسيس «دولة إسرائيل» عام 1948، لعملية وضع اليد على ما يقدر بـ13 مليون دونم من أراضيهم يسكنها 35 تجمعا بدويا.
تتشابك أهداف هذه العملية الاستراتيجية بعمق مع عناصر رئيسية في طبيعة الدولة العبرية القائمة على الاستيطان، والتهويد، وتهجير الفلسطينيين، في منهاج يشكّل تجريف الديموغرافيا الفلسطينية وإحلال الاستيطان اليهودي أهم نقطة فيه.
أجبر الاحتلال، إثر النكبة، قرابة 100 ألف بدوي على الرحيل من النقب، وتحوّل أغلبهم إلى لاجئين في الأردن وشبه جزيرة سيناء وقطاع غزة ومناطق الضفة الغربية المحتلة، وخصوصا مناطق الجليل والأغوار والقدس.
تبدو إسرائيل، حين يتعلّق الأمر ببدو النقب، في أنقى حالاتها عنصريا، فرغم أن سكان المنطقة إسرائيليو الجنسية، فإن سياسات الدولة الإسرائيلية، على مدار العقود، اشتغلت على حرمانهم من البنى التحتية ومظاهرها، من صحة وطرق وتعليم وكهرباء وماء.
إحدى ذرى هذه السياسة، والتي بالأحداث الحالية في النقب، كانت تأسيس أرئيل شارون، عام 1976 (أي قبل 6 سنوات من تسببه بالمجزرة الشهيرة للفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا بعد اجتياح لبنان عام 1982) وحدة خاصة تابعة لوزارة الزراعة، شكّلت «لحراسة أراضي الدولة وحمايتها من البدو والسيطرة عليها» وعملت هذه الوحدة على مصادرة مواشي البدو وهدم خيامهم وفرض غرامات عليهم بحجة الرعي في «منطقة عسكرية» وقد أصدرت سلطات الاحتلال، خلال السنوات الخمس الأخيرة، أكثر من 16 ألف قرار هدم لمنازل أهالي النقب.
بالتزامن مع تهجير أهالي النقب تتابعت خطط الحكومات الإسرائيلية لتوطين اليهود، وإحدى هذه الخطط التي أقرّت عام 2005، تحت مسمى «الخطة القومية الاستراتيجية لتطوير النقب» هدفت لزيادة عدد اليهود إلى مليون نسمة، وفي عام 2011 أقرت خطة أخرى لإقامة 100 مزرعة مخصصة مساحة 80 دونما مجانا لكل عائلة يهودية تستوطن في المنطقة.
تدعي السلطات الإسرائيلية، في ما يتعلق بقرية سعوة الأطرش، التي كانت في بؤرة انتفاضة النقب الأخيرة، أنها تريد «إحياء الصحراء» وتشجيرها، لكن ما يراه أهالي النقب هو اقتلاع للفلسطينيين وتوطين لليهود. مثير للسخرية حقا أن تغطي حكومة الاحتلال الإسرائيلي توطينها لليهود وتجريفها لأهل النقب بعنوان بيئي مثل غرس الأشجار، وكذلك دعوة سفراء الدول لغرس غابة على اسمهم في النقب، من دون أن يبلغوهم، كما تقول صحيفة «هآرتس» اليسارية الإسرائيلية، إن «الهدف الوحيد للغاية الوهمية هو التغطية على هدم قرية العراقيب البائسة الذي جرى 183 مرة».
وسوم: العدد 964