تخلي الآباء والأمهات وأولياء الأمور عن مسؤولية تربية أبنائهم وبناتهم التربية السوية يرقى إلى مستوى الإجرام في حقهم

لا يكاد الكبار في مجتمعنا اليوم يثار بينهم حديث حول تربية جيل هذا العصر إلا ويحصل بينهم إجماع على أنه جيل خارج التغطية التربوية السوية ، وتطول الأحاديث بينهم بخصوص أنواع السلوك المنحرف الغالب عليهم إلا أنهم يتعمدون تجنب الخوض في موضوع مسؤولياتهم التربوية التي تخلوا عنها ، والتي تعتبر السبب الرئيس فيما آلت إليه تربية الأبناء والبنات من سوء منذر بالويل والثبور وعواقب الأمور.

والآباء والأمهات وأولياء الأمور بخصوص التخلي عن مسؤولياتهم التربوية إما صنف رفع راية الاستسلام ، مقرا بفشله وبالهزيمة أمام انحراف البنين والبنات ، مع التباكي على ما صاروا عليهم من سوء التربية ، أو صنف يظهر اللامبالاة أمام انحرافهم ،ويسلك  في ذلك سلوك النعام حين  يدس رأسه في الرمل ، وهم يحاولون إخفاء ما يعانون منه من شعور بالمرارة بسبب ذلك .

والقلة القليلة من الآباء والأمهات وأولياء الأمور هي التي تحرص شديد الحرص على  تحقيق أدنى حد  من التربية السليمة لفلذات الأكباد ، وهي  تكابد ، وتعاني الأمرين وهي تخشى  عليهم من تفشي وباء سوء التربية الذي أصبح  شائاع بين جيل هذا العصر .

وأول مؤشر على إلقاء الآباء والأمهات وأولياء الأمور الحبل على الغارب في تربية الأبناء والبنات هو  الغفلة التامة عمن يخالطونهم في محيطهم الاجتماعي ، وداخل أسوار المؤسسات التربوية والفصول الدراسية  التي لم يعد لها أي دور يذكر  في التربية مع أنها تنعت باسمها . ولا يخطر إطلاقا  ببال هؤلاء الآباء  والأمهات وأولياء الأمور أن يسألوا عمن يعاشرهم أو يصاحبهم أو يرافقهم الأبناء والبنات ، ولا يتحرون نوع تربيتهم ، ولا يسألون عن  أوساطهم خصوصا مع اختلاط الحابل بالنابل والدارع بالحاسر كما يقال .

وثاني مؤشر على تعمد الآباء والأمهات وأولياء الأمور التخلي عن دورهم  بل عن واجبهم في تربية أولادهم وبناتهم، هو تركيزهم على توفير كل ما هو مادي لأبنائهم  من مسكن، وملبس، ومطعم، ومشرب ... دون أدنى اهتمام بما هو أهم من هذه الماديات، وهو الأخطر لأن هذه الماديات قد تكون سبب انحراف تربية الأبناء والبنات خصوصا عندما لا تكون من الضروريات الملحة أو تكون منها ولكنها توظف التوظيف كما هو الحال على سبيل المثال  بالنسبة للهواتف الخلوية التي يحرص الأبناء والبنات على أن تكون من آخر جيل ، ويطالبون آباءهم وأمهاتهم وأولياء أمورهم باقتنائها لهم تحت ذريعة هي  في حكم الحق الذي يراد به باطل حيث يزعمون أنها أصبحت وسيلة تعليمية لا مندوحة لهم عنها ، وهي في الحقيقة كذلك لكن شريطة استعمالها  بالفعل لأهداف تعليمية وتثقيفية صرفة .

والواقع أن الهواتف الخلوية والحواسيب التي لا يخلو بيت  من البيوت منها ، والتي تستعملها الناشئة أصبح حكمها حكم الخمر في شريعة الإسلام بحيث  صار إثمها بسبب سوء استعمالها أكبر من نفعها إذ لا يمكن أن يزعم الآباء والأمهات وأولياء الأمور أنها تستعمل للتعلم فقط دون أمور أخرى تعتبر خطرا على تربية الناشئة خصوصا وأن التكنولوجيا الرقمية منفتحة على الصالح والطالح والنافع والضار   .

ومن المفارقات أن يبحث جيل هذا العصر عن كل بائقة في هواتفهم المحمولة  أولوحاتهم الرقمية أوحواسيبهم ، و في المقابل لا يكلفون أنفسهم أدنى مجهود للبحث عن معلومات تتعلق ببرامجهم ومقرراتهم الدراسية.

ومن مخاطر التكنولوجيا  الرقمية على الناشئة أنهم أصبحوا جيل السهر والسمر ليلا حيث لا يأوون إلى مضاجعهم إلا في ساعة متأخرة يصرفون ساعات الليل الطوال فيما يسمونه " الشات " أو الحوار العابث  فيما بينهم ،وفي ما  لا طائل من ورائه ، بل فيما ينحدر بهم  إلى ما لا تحمد عقباه عن طريق المباشر أو النقل الحي، والذي لا يلقي إليه أولياء أمورهم بالا خصوصا والأبناء والبنات في غرف نموهم ، وقد غلّقوا الأبواب وقال بعضهم لبعض ّ هيت لك " بل  أكثر من ذلك يكون أولياء الأمو  منشغلين  أيضا بمحمولاتهم الخلوية يلتمسون فيها ضالتهم من العبث العابث  ، وهم لا يدرون أن ما الذي  يحدث عن بعد بين أبنائهم وبناتهم عبر الخلوة الرقمية  ، والذي قد يحدث بعد ذلك عن قرب وقد مهد له  ما قد حصل عن بعد  .

ودون الخوض في المؤشرات الدالة على انحراف الناشئة عن التربية السوية ،يكفي مجرد الانتباه  إلى نوع الخطاب المتداول فيما بينهم ، والذي هو في الغالب مما يندى لها الجبين فحشا ، وتهتكا ، واستهتارا... إلا أن الناشئة  قد دأبت عليه ، وهي لا ترى فيه بأسا بل تعتبره خطابا عاديا ، علما  بأن ما  خفى منه أعظم  وأشنع  .

وخلاصة القول أن الآباء والأمهات وأولياء الأمور يرتكبون  سواء شعروا بذلك أم لم يشعروا به  ما يرقى إلى جرم خطير في حق فلذات أكبادهم ، وذلك ب تعمدهم التخلي عن مسؤولية تربيتهم التربية السوية .

وسوم: العدد 965