الجبهة الديمقراطية..نموذجًا أخلاقيًا في الإعلام الفلسطيني
رئيس التجمع الإعلامي الديمقراطي
قدمت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نموذجًا إعلاميًا وطنيًا مسؤولًا إزاء المعترك الوطني الأخير بشأن اتخاذ قرار المشاركة في دورة المجلس المركزي الـ 31 لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، والتي كالعادة حملت على أثرها المسؤولية التاريخية في صون الحقوق الوطنية، ووقف كل محاولات التدمير لمفهوم الكيانية الفلسطينية والعمل على تجسيده عمليًا.
عهد شعبنا الفلسطيني على الجبهة الديمقراطية أن يكون لديها موقفًا حاسمًا في الحفاظ على البيت الفلسطيني (م.ت.ف)، والتصدي لكل المحاولات المشبوهة التي تهدف للنيل من وحدة شعبنا وقراره المستقل، ولكن الجديد أو اللافت أنه في ظل حالة الانقسام السياسي، والمراوغة السياسية لدى بعض الفصائل أصحاب العقل الطفولي، ومع انعقاد جلسة المجلس المركزي، شوهد حملات إعلامية ممنهجة كانت عنوانها التخوين والتشكيك لدى منظمة التحرير والجبهة الديمقراطية بشكل خاص، باعتبارها ركنًا أساسيًا داخل المنظمة والدرع الحصين لها.
على غرار ذلك، شاهدنا خلال الأيام الماضية خطابًا سياسيًا ملوثًا، فاقدًا للأخلاق الوطنية والمسؤولة، أضر بمن يقوده أكثر ما أساء لمن هم في قلب المعركة الوطنية، الذين كانوا واضحين الموقف والقرار الموحد، رافعين شعارات المصلحة الوطنية بالدرجة الأولى، رافضين كل أشكال الابتزاز والتهديد، متمسكين بالوحدة الوطنية خيارًا استراتيجيًا.
من الطبيعي أن من يقود هذه الحملات التخريبية اللامسؤولة في الخفاء، أن يكون ضعيفًا في طرح موقفه للرأي العام لأنه يدرك جيدًا أن صناعة القرارات الوطنية تحتاج إلى إيمانًا راسخًا، والتزاما وطنيًا بتحقيق أهداف شعبنا المنشودة، لا سيما أن النوايا باتت مكشوفة للجميع. كما والذي اعتاد أن يمارس سلوكًا خارج المنظومة الأخلاقية لشعبنا أو يقاتل عبر الشعارات فقط يصبح في خانة (الرف السياسي) أي أنه يتوجب عليه الالتزام في نشر الرسالة الإعلامية الوطنية أولًا، والالتحام في خارطة الطريق المطلوب إنجازها.
وفي ضوء التحديات السياسية والاجتماعية والثقافية، وملامح التطور السريع لعالمنا هذا، وجب على الإعلام أن يشمل ضوابط ومبادئ راسخة خلال تقديم الرسالة للمجتمع، وهذا تبلور في صياغة مفهوم مناسب وهو (أخلاقيات الإعلام) والذي يشمل الدقة والموضوعية، والوضوح، وتوخي مصلحة المجتمع أولا، والحياد، وعدم الاساءة الشخصية، وكثير من المضامين الأخرى. لكن ما رأيناه على مدار أيام أثبت لكل أبناء شعبنا أن الهدف لم يكن وطنيًا على الإطلاق، إنما تحقيقًا لمصلحة حزبية والتي فشلت بالقرار الثابت للجبهة الديمقراطية.
لقد تجاهلت الجبهة الديمقراطية هذا الصخب الإعلامي كله، وشقت طريقها في الدفاع عن حقوق ومصالح شعبنا، كما أنها كانت تدافع عن قرارها وموقفها المشارك في المجلس المركزي من خلال صوغ الرسالة الوطنية القائمة على المطالبة بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، والدعوة إلى تطبيق قرارات الاجماع الوطني، وتعزيز المشاركة السياسية عبر وقف كل أشكال الهيمنة والتفرد، والدعوة لحوار وطني جامع.
ومع استمرار تلك الهجمات الإعلامية المرفوضة، والتي تقودها أطرافًا أصبحت ألاعيبها مكشوفة على الساحة الفلسطينية بل عبارة عن كروتِ محروقة، يُدق ناقوس الخطر، أي كيف لهؤلاء أن يكونوا شركاء في الهم الوطني وهم يماسون سياسات فكرية وإعلامية تقوم على عدم تقبل الأخر والاساءة المغلظة وصلت حد الانحطاط. ولكن في الحقيقة إن طبيعة الأزمة التي تعيشها الحالة الفلسطينية ساهمت في كشف النوايا والمساعي التي تهدف لضرب حالة التوافق الوطني على صعيد وحدانية التمثيل لشعبنا أمام العالم، دون مراعاة هذا الخطر المهدد لقضيتنا الوطنية والتحذير من الانهيار الذي يوقعه هذا الفعل، أو التفكير بالتنازل للصالح العام للخروج من هذا المأزق المعقد.
لا شك أن الجبهة الديمقراطية تجاهلت هذه الأساليب التي رفضها شعبنا وعبر عن استياءه نتيجة غياب المسؤولية الوطنية وانعدام الأخلاق في تقديم الرسالة الإعلامية، والتي هي بالأساس لم تبنى على حقائق في توجيه الاتهامات للأخرين، كما لم تنجر الجبهة لهذا المربع الفاقد للأخلاق والذي يعتمد على أساليب أضرت بحياة شعبنا. فمن الجيد أن نذكر بأن مهنة الإعلام لم تكن مجرد نقل للرسالة وإنما تحظى بجوهر أخلاقيًا من الدرجة الأولى، ومن لم يدرك ذلك أو يتغافل عن هذه الحقيقة عليه أن لا يُجمل نفسه ويعيش دور المظلوم وهو مهندسًا لتحقيق مآرب مخفية.
للإعلام بشتى أنواعه أهمية قصوى في تعزيز الانتماء الوطني، ونشر القيم المجتمعية الإيجابية التي نحن بحاجة إلى ترسيخها أمام التحديات والأزمات التي تعصف بمشروعنا الوطني، والحياة العامة للإنسان الفلسطيني خاصة في ظل الانقسام المدمر، والذي أفسد حياة شعبنا على كافة المستويات وذلك من أجل محاربة التفتيت الاجتماعي والعنف السياسي الذي بات يهدد المجتمع والحالة الوطنية ككل. فمن المؤسف وبعد 15 عاماً من الانقسام أن نبقى في ذات العقلية الاقصائية والرافضة للأخر بدلًا من تعزيز لغة الحوار، وتقبل مواقف وقرارات الأخرين على أساس تشاركي عنوانه الوحدة الوطنية.
وسوم: العدد 968