الأبعاد الروحية و الإنسانية في الإسلام
قرأت بتأمل و تفحصت سيرة خير الأنام فوجدت فيضا من ايضاءات بعثت في سريرتي الاطمئنان، و عمقت نظاراتي في فهم الإسلام ، أكدت لي حاجتنا لفقه الإسلام من مصدره الصحيح لا من الصور المشوهة التي طمست حقيقة الإسلام ، في غياب فهم الصحيح في أبعاده المختلفة ، و نفض غبار الجهل لأبعاد التربية الروحية و الإنسانية في الإسلام و التي كانت سببا أدى بالكثير إلى من الأمراض ؛ الفوضى، والاضطراب والتأخر، والقلق والهزيمة،والتراجع، واليأس، والقنوط .
و من هنا كان لزاما علينا الوقوف عند هذه الجوانب المهملة في التربية بوضعها تطبيقاتها على محك الواقع، حتى تيسر لكل من يريد طريق الرفعة و ينشد العلو و التقدم في هذه الحياة أن يسير وفق طريق التغيير الذي بناه الرسول انطلق أساسا من لبنة أساسية اعتمدت على الإهتمام بالإنسان الرسالي، فخصه بتربية فردية مميزة، فكانت مدرسة الأرقمهي أول نواة الانطلاق، حيث صاغت الرواحل صياغة متكاملة ، يطبعها سمت إيماني و أخلاقي متفرد ؛سماته ، قوة عزيمة لا تقهر، تعلوه قدرة هائلة على الحركة و الانطلاق ، فكان كل صحابي مدرسة في حد ذاته , كثلة نشاط متفرد ..
و لم يكتفي بهذا فحسب بل عمق في تلك التربية القيم الروحية، فصغرت للدنيا في عيون الصحابة الكرام، فكان رضى الله خير غاية و أفضل مقصد ، و كانت الجنة و نعيمها أفضل مطلب ، فزينت التربية الصحيحة كل معاملتهم، فكانت كل حياتهم تجارة مع الله ، فربح البيع و حصلت الغنيمة ، و رجح كيل التجارة .
فكان كل الفريق يبذل الجهد سيرا نحو الهدف المرسوم ، سيرا نحو التغيير الايجابي يرافق الغاية المحددة ، مستعينا بالوسائل المشروعة ؛ فكان الواحد منهم ينفق كل ماله في سبيل مشروعه المنشود ، لكن حين يسأل ما تركت لأهلك ، و ماذا أبقيت لهم يقول و عيون الرضى تملأ قلبه(تركت لهم الله و رسوله) .و نماذج تلك التربية اكتفينا بمثال واحد للتدليل فقط .
و أما إذا وقفنا عند البعد الإنساني في هذا التغيير، الذي رسم صورا جمالية رائعة ، عجزت كل التغييرات التي جاءت بعده أن تأتي بمثل تلك القيم و اللطائف و الذوقيات الرائعة ، حيث المبادئ لها ترجمانها التطبيقي على أرض الواقع، فلم تبنى تلك التربية على التنظير و الترف الفكري ؛ بل جسدت كل أبعاد التربية الإنسانية في جوانبها العملية، فكان صاحب الرسالة في بيته النموذج الرائع لأهل بيته ( خيركم خيركم لأهله و أنا خيركم لأهله) فكانت العواطف الإنسانية تخرج دون مشقة، و دون تكلف، كان يظهر حبه لزوجاته تصريحا لا تلميحا، بل تمتزج تلك المعاملة بالمشاركة في أعباء البيت خدمة طوعية ، فكان حقا نموذجا للأسرة الرسالية القدوة . .
فمهما عرضنا الصور المضيئة للمبادئ الإنسانية التي حملتها رسالة الإسلام للإنسانية، يكفي أن نستعرض جملة اختزلت كل المعاني و القيم، جملة قالها النبي صلى الله عليه وسلم عندما مرت به جنازة فقام لها، فقيل له إنها جنازة يهودي، فقال: ( أليست نفسا.) كلمة تستوقف أولئك الذين نصبوا العداء و الشبهات، و حاولوا طمس تلك الروائع في التعامل الإنساني، كلمة تستوقف صناع الحروب، الذين يقتلون الأجنة، و يستبيحون حرمة النفس المكرمة، قتلا و تمثيلا و تشريدا ، نقول لهم أليست نفسا؟!
إن رسالة الإسلام تجاوزت كل الأبعاد فأقرت حق الحيوان في الحياة، فحرمت حبسه أو تعذيبه، أو حمله مالا يطيق من الجهد، فما بالك بالإنسان المكرم.
إن ما تحمله رسالة التغيير في الإسلام أكبر بكثير مما يصوره البعض من اختزاله في صورة معزولة، أو جزئية منفصلة، فالإسلام رسالة هداية و منهج حياة، يسع الدنيا و الآخرة، يسع السلم و الحرب ، فهو رسالة محبة و إخاء و تعايش و سلم، كما هو رسالة بناء و حضارة، كما هو في الوقت ذاته روح تسري بالعطاء، يد تزرع و تبني و تعلم و تداوي و تضمد، فهو بذلك منهج متكامل شامل.
وسوم: العدد 970