الأحداث الدرامية التي يعرفها العالم اليوم تقتضي من المسلمين التفكير الجاد

الأحداث الدرامية التي يعرفها العالم اليوم تقتضي من المسلمين التفكير الجاد في أمر تجديد دينهم بالصلح معه لصيانة هويتهم الإسلامية المهددة

من المعلوم أن القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة الملازمة له ، وهما معا الرسالة العالمية الخاتمة التي أرسلها الله عز وجل للبشرية قاطبة دون استثناء إلى قيام الساعة ، وهي حجة عليهم بين يديه سبحانه وتعالى  يوم العرض عليه ،هي بمثابة دستور الأمة المسلمة بما تعنيه كلمة دستور من شمول يغطي كل جوانب الحياة دون استثناء أي جانب منها خلافا لما يروجه البعض من المغرضين المستهدفين لدين الإسلام من أن هذه الرسالة  يجب أن تبقى منحصرة في عبادات ، و أنه لا صلة لها بممارسة الحياة، وهو تصور نشأ  في الغرب الذي سادت فيه العلمانية الثائرة على الكهنوت الكنسي الإقطاعي المستغل للدين من أجل عرض الدنيا .

ولقد انتقل هذا التصور الضال  إلى بعض المسلمين مفكرين وساسة وحتى العوام منهم  بسبب التقليد الأعمى للغرب الذي سببه الانبهار بتطوره المادي والتكنولوجي ، وهو ما أسقطهم في فخ الخلط بين حضارة الغرب المتطور ماديا والمفلسة على مستوى القيم . وقد ترسخت لدى هؤلاء فكرة التفوق الغربي مطلقا دون تمييز بين المادي واللامادي ، وجعلوا منه مرجعا ومنهلا منه يستقون تصورهم للحياة ، وهذا ما جعلهم يضعون الرسالة الخاتمة في كفة واحدة مع الرسالات السابقة التي تشهد هي بأن التحريف قد نال منها ،الشيء الذي أفقدها مصداقيتها بسبب الخلط بين التعاليم الإلهية  الصحيحة والأهواء البشرية  الضالة.

وبسبب سيادة التقليد الأعمى للغرب لم يجد المنبهرون به بدا من اعتماد أسلوب النقل والإلصاق على طريقة النسخ الرقمي ، وهكذا صار الإسلام عندهم مجرد طقوس تعبدية منحصرة في المساجد ، ولا يعنيه شيء من أمور الحياة  اليومية اقتصادا ،واجتماعا ،وسياسة ، وفكرا ، وثقافة ...

 ويوجد اليوم في العالم الإسلامي ملايين المسلمين بهذه القناعة الضالة خصوصا وأن من يحكمونهم يخضعون الغرب المهيمن فيما يمليه عليهم بالحرف  مقابل  محافظتهم على مناصبهم وكراسيهم ، وهم يكرسون كل جهودهم لإقناعه شعوبهم بأن القول ما قال ساسة الغرب  ومفكريه وفلاسفته  .

ومن آفة التقليد العمى للغرب  تلفيق تهم للإسلام بحيث لا يحق له أن يقرب السياسة لأنه مجرد عبادة لا غير حتى صار نعته بالسياسي  أمرا قدحيا يحمل في طياته التجريم ، وقد جعل منه ساسة الغرب العلمانيون عدوا يحاربونه  وألصقوا به بهتانا وزورا تهم العنف، والإرهاب وكراهيتهم ، وأعدّت أجهزتهم المخابراتية عناصر من المحسوبين عليه ،وهو منهم براء  ليؤدون أدوار المسرحية الهزلية  المحبوكة ضده لتكونوا بإجرامهم وإرهابهم ذريعة لترسيخ فكرة إقصائه من الحياة العالم خصوصا من المجال السياسي .

 ولقد انتقت أجهزة الغرب المخابراتية بدقة  تلك العناصر الإجرامية  من ذوي السوابق  سكرا ،وتخديرا،  وانحلالا خلقيا ، ومعظمهم ممن ولدوا في بلاد الغرب ، إلى جانب بعض المغرر بهم  في البلاد الإسلامية من الأميين أو من أشباه المتعلمين الذين لا تزيد مستوياتهم الدراسية  عن المرحلتين الابتدائية أو الإعدادية  وحولتهم  بين عشية وضحاها إلى شيوخ بلحى طويلة  وعباءات  قصيرة ، وفوقها بزات عسكرية ، ولقبتهم بكنى فصرنا لا نسمع إلا بأبي فلان وأبي فلتان ، وزودتهم بالأسلحة والعتاد ، ونقلتهم إلى بؤر التوتر في العالمين العربي والإسلامي وتحديدا خلال اندلاع ثورات الربيع العربي التي أقضت مضجع الغرب بسبب رهانها على الإسلام  ليخوضوا حروبا عبثية نيابة عنه وقد أعقبت حروبا مثلها خاضه هو من قبل  كما كان الشأن في حرب العراق، وحرب أفغانستان ، وقد وجد فيهم ضالته للنيل من الإسلام عن طريق نعته بالسياسي ، وهو ما يعني نسبة إجرام  وإرهاب تلك العناصر المجرمة  له  ، وهو نعت صار قدحيا ، وجرما يعاقب عليه، وهكذا صار كل من يقول بفكرة تغطية الإسلام لكل جوانب  الحياة بما في ذلك جانب السياسة يحشر في زمرة  تلك العصابات الإجرامية المصنوعة مخابراتيا ، وقد حشر بهذا الاعتبار الماكرالكثير من علماء المسلمين البارزين والمشهود لهم بالعلم والعدالة  معها في نظر ساسة  الغرب وفي نظر من يوالونهم من ساسة في البلاد العربية والإسلامية  ، وجرموا وحوكموا وسجنوا باعتبارهم منظرين للإرهاب والعنف أو للإسلام السياسي ، وأكثر من ذلك جرمت مصادر الفكر الإسلامي القديمة باعتبارها أيضا تنظيرا للإسلام السياسي الداعي إلى العنف والإرهاب والكراهية ، وتخطى الأمر ذلك إلى النيل من صحاح الحديث النبوي الشريف باعتبارها هي الأخرى تنظيرا للعنف والإرهاب  ، وبلغ الأمر حد التصريح ، وليس التلميح كما كان الأمر من قبل بوجود  أنواع من خطاب العنف والكراهية في كتاب الله عز وجل أيضا تنزه كلام الله تعالى عما يصفون .

ولم تسلم الأحزاب السياسية المعلنة عن مرجعيته الإسلامية والتي أفرزنها  ثورات الربيع العربي  من تهمة الإسلام السياسي مع أنها قبلت الانخراط في اللعبة الديمقراطية التي يشترطها الغرب لخوض غمار السياسة  ، ووصلت إلى مقاليد السلطة عن طريق صناديق الاقتراع الزجاجية التي لم تجرؤ جهة من الجهات  في العالم على الطعن في نزاهتها ونظافتها إلا أنه سرعان ما تم الإجهاز عليها إما عن طريق انقلاب عسكري دموي ، وعن طريق  انقلاب انتخابي  انقلبت فيه المعايير بحيث حشرت فيه الأقلية العلمانية مع الأغلبية  الإسلامية  لتدبير الشأن العام، وهو ما خلق وضعا سياسيا مضطربا  ، أو عن طريق تشويهها  خلال مدة تدبيرها للشأن العام  بعد توريطها في أداء سياسي هزيل جر عليها سخط من صوتوا عليها ، وفقدت الثقة التي وضعوها فيها ، وخسرت الرهان عليها .

وشاءت الأقدار أن تندلع حرب عبثية بين الأنظمة الغربية اشتراكية وليبرالية  في عقر دار القارة العجوز على غرار حروبها العبثية التي كانت أقطار المسلمين عربا وعجما مسرحا لها  لتسقط عدة أقنعة وتبدو سوءة الغرب وهو يحاول الآن سترها أو لنقل بالتعبير القرآني طفق يخصف عليه من أكاذيب عودنا عليها إلا أن الحقيقة التي لا غبار عليها هو انكشاف استهدافه للهوية الإسلامية سواء في الساحة العربية أو في غيرها من أرض الإسلام عن طريق ازدواجية الكيل عنده.

ولقد صار بعض  الشرفاء الغربيين  يستنكرون هذا الاستهداف قبل المسلمين ، وذلك  من خلال مقارنة الأسلوب الذي تعامل به الغرب مع غزو أوكرانيا  بالأسلوب الذي تعامل به مع غزو بلاد الإسلام في العراق وسوريا وأفغانستان وغيرها  ، والمقارنة بين أسلوب التعامل مع المهجّرين الأوكرانيين من بلادهم بسبب الحرب ، وبين أسلوب التعامل مع المهجّرين  المسلمين السوريين والعراقيين والفلسطينيين ... وغيرهم  ، وهو أسلوب عنصري مقيت  يعتمد معايير  التفضيل العرقي الذي قوامه اعتبار  العين الزرقاء والشعر الأشقر ، والهوية الدينية الصليبية  تميّزا ، وهو ما فضح تهافت الزعم العلماني في أوروبا الذي يدعي أصحابه أنه لا اعتبار للدين فيها .

وأمام هذا الوضع لم يبق أمام  المسلمين سوى الإسراع  بالصلح مع دينهم ،ومع كتاب ربهم سبحانه وتعالى ، ومع سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم صيانة لهويتهم الإسلامية  المستهدفة  بل المهددة بشكل غير مسبوق في التاريخ . وعليهم الثقة في وعد رسولهم عليه الصلاة والسلام بأن الله تعالى يبعث لهم على رأس كل مائة عام من يجدد لهم أمر دينهم ، وقد حان الوقت لذلك كما قال كثير من أهل العلم والفضل والصلاح  .

وعلى المسلمين  خصوصا المستلبين منهم بالفكر الغربي وبتراهاته وأكاذيبه  أن يتخلصوا من عقدة التبعية التقليد له والانبهار به  ، وأن يتعاملوا مع رسالة الإسلام العالمية والخاتمة بفهم غير فهمه الضال ، وأن يتذكروا أن هذه الرسالة لم يفرط فيها  من شيء  منزلها  سبحانه وتعالى على البشرية قاطبة فيها ، وأنها تهدي للتي هي أقوم ، وهي بهذا الاعتبار تغطي كل جوانب الحياة سياسة واقتصادا واجتماعا وثقافة وفكرا... خلافا لما يزعمه خصومها وأعداؤها .  وعلى المسلمين أن يستعيدوا مكانتهم التي أرادها  الله عز وجل لهم ، ليكونوا بذلك  شهداء على الناس ، وليخلصوا البشرية من هذا الوضع الحالي المزري  الذي ينذر بالويل والثبور وعواقب الأمور ، و لينقلوها من الخوف إلى الأمن ، ومن الحرب إلى السلم ، ومن القلق إلى الطمأنينة ، ومن قيم قانون الغاب إلى سماحة وعدالة شرع الله عز وجل ، وعليهم أن يتذكروا بيقين راسخ لا يخامره شك أو ارتياب  أن هذا إنما هو نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادقة  ، وأنه وعهد الله سبحانه وتعالى الذي لا يحلف الوعد والميعاد .

وسوم: العدد 972