في يوم استقبال الأولياء
في يوم استقبال الأولياء
عثمان أيت مهدي
تعودنا نحن، الأساتذة، استقبال أولياء التلاميذ نهاية كلّ فصل دراسي. كان ذلك من بداية التسعينات من القرن الماضي، حيث رأت وزارة التربية أنّ الجمع بين الأولياء والأساتذة في يوم لتبادل الآراء والملاحظات حول عمل وسلوك التلاميذ من الأهمية بمكان. من خلال هذا اللقاء البيداغوجي يستلم الولي كشف النقاط، يتلقى تقريرا مفصلا عن سلوك ونشاط ابنه في القسم والمؤسسة التعليمية التي تحتضنه. وبدوره يتمكن الأستاذ من ولوج بيت التلميذ وأخذ صور عن حياته الاجتماعية والثقافية وأشياء أخرى.. ثمّ يتفق الفاعلان في كيفية تنمية قدرات هذا التلميذ وإبراز كفاءاته على حلّ المعضلات التي تعترضه أيّام الامتحان، وفي حياته اليومية.
كان هذا ما يجب أن يكون عليه هذا اليوم، ولو نسبيا. ينتظره الأولياء أملا في رؤية فلذات أكبادهم وقد تشبعت من معين العلم والمعرفة واستنارت بنور المدرسة، وارتفعت معدلاتها بارتفاع مستواها المعرفي، لكن ما تعانيه منظومتنا التربوية أفرغ هذا اليوم من محتواه عند الغالبية من الأولياء، وجعله يوما كبقية أيام السنة الدراسية أو أشدّ مرارة وانحطاطا.
يحين وقت الاستقبال، صباحا على الساعة التاسعة، طابور من السيارات متوقفة بمحاذاة الطريق محدثة اختناقا مروريا، أولياء أمام مدخل المؤسسة يتبادلون أطراف الحديث، إنّه يوم له خصوصيته، ليس كبقية الأيام، فيه يرتفع هرمون الأدرينالين، ويزداد القلق والتوتر. تفتح المؤسسة أبوابها، يتوجه الجمع المنتظر رفقة أبنائهم إلى قاعة تسلم الكشوف، ومنها تحدد زيارة الولي للأساتذة من عدمها.
يتعرف الولي على معدل ابنه المتمدرس، يقرأ ملاحظات أساتذة المواد، يطأطئ رأسه أرضا ثمّ ينفث من أعماقه زفرة طويلة، ويتمتم: تبّا لهذا الابن العاق، لم يحفزه حاسوبه المحمول، ولا هاتفه الذكي، ولا الاشتراك السنوي للأنترنات، ولا مصروف جيبه الشهري، ولا ملابسه التي يختارها بنفسه، على العمل والنشاط؟ ليس لي كلام مع أساتذته، ولا مع هذه الأصبع الزائدة، سأتركه للأيام تؤدبه وتعيده إلى صوابه، بعدها يهيم الولي بالخروج من المؤسسة.
أمّا الآخر فيردّد عند مشاهدته نقاط ابنه المتأرجحة بين المتوسطة والضعيفة، وبين ملاحظات الأستاذ المشجعة والأخرى المثبطة للعزائم، قوله: مدرستنا تعاني من مستوى أساتذتها العلمي والتربوي، من منظومتها التربوية، من الساهرين على إنجاح هذه المدرسة المنكوبة. يلقي اللائمة على المدرسة، ويكيل لها من النقد والشتم ما ينسيه نقاط ابنه الضعيفة، يزور بعض الأساتذة ويترك آخرين على أمل حصول ابنه على نقاط أخرى مشرفة. يخرج بسرعة من المؤسسة، متوجها إلى أغراضه اليومية.
الثالث، يتسلم كشف نقاط ابنه، سرعان ما تنبسط ملامح وجهه، يبتسم، إنها علامات جيّدة، مفرحة، مشجعة، سأتوقف عند أساتذته جميعا، سائلا، مستفسرا عن كلّ ما يتعلق بحياته داخل المدرسة، إنّه ابن بار، محبّ للدراسة متفان في عمله. تكون محطته الأولى عند أستاذ الأدب، يشكره على جهده وإخلاصه في عمله، ثمّ ينتقل إلى أستاذ الرياضيات، ومنه إلى الإنجليزية والفرنسية والعلوم الطبيعية.. ويختتم زيارته للأساتذة بدردشة خفيفة مع أستاذ الرياضة البدنية. يبارك للجميع عملهم هذا من أجل مستقبل هؤلاء الشباب المشرئبة أعناقهم إل غد أفضل ومستقبل جميل، ثمّ يستأذن بمغادرة المكان والعودة إلى البيت. في الطريق يبادره الابن موجها له هذه الملاحظة: لكن يا أبي، نتائجي كانت بفضل أساتذة الدروس الخصوصية، ولا فضل لهؤلاء في كلّ النتائج المتحصل عليها؟ هل نسيت المبلغ المالي الذي تخصصه لي شهريا من أجل هذه النتائج التي أسعدتك؟ وهل نسيت حكايات الفوضى، وعن التلاسن بين التلاميذ والأستاذ، والقسم الذي يحوله المشاغبون إلى سوق بومعطي؟ هل نسيت ذلك حقا؟ يردّ الوالد في تؤدة وتأنٍ: إنها نتائج ساهم في الحصول عليها كلّ من: التلميذ أولا، وأساتذته ثانيا، وأوليائه ثالثا. فلولا تعاون هؤلاء بعضهم البعض لما كان معدلك عاليا ومتميّزا. لقد ولّى عصر المدرسة التي تصنع العقول، وحلّ عصر الاستثمار في الأبناء، ومتابعتهم طوال مشوارهم الدراسي. حقيقة أصبحت المدرسة العمومية معطوبة، لا تقوى على الوقوف دون عكازة الدروس الخصوصية، وصحيح أيضا، الأستاذ بالمدرسة العمومية لا يستطيع أن يسدّ جميع تكاليف أسرته وحياته دون الاستعانة بتقديم دروس خصوصية خارج المدرسة، لكن تبقى العملية التربوية دائما يا بني، مرتكزة أساسا على جهد التلميذ، ثمّ المدرسة العمومية، وبعدها الدروس الخصوصية، وأخيرا الوالد المستثمر في مستقبل فلذة كبده. إذا فُقِدت حلقة من هذه الحلقات الأربع، انهارت العملية التربوية، وكانت نتائجها وبالا عليك أولا، وعلى والدك ثانيا، وعلى الوطن ثالثا.