توافق عجيب
حينما توفي محمد عبده-رحمه الله- مفتى الديار المصرية وقف ستة من الخطباء والشعراء يرثونه ويعددون مناقبه، وهم بحسب ترتيبهم في الوقوف :
1- الشيخ أحمد أبو خطوة .
2- حسن عاصم بك .
3- حسن عبد الرزاق باشا الكبير .
4- قاسم أمين .
5- حفني ناصف .
6- حافظ إبراهيم .
وكان أولهم رثاءً أولهم وفاةً ثم لحق به ثانيهم ،ثم حان أجل الثالث ،ثم عرجت المنية على الرابع ..حدث هذا كله في ثلاث سنوات.
ولم يبق من الستة إلا الخامس حفني ناصف، والسادس حافظ إبراهيم.
وهنا وقر في قلب حفني ناصف أن الدّوْرَ حلّ عليه وأن منيته قد قربت، فكتب إلى حافظ إبراهيم أبياتاً جاء فيها :
أتذكر إذ كنّا على القبر ستةً نُعدد آثار الإمام ونندب
وقفنا بترتيبٍ وقد دَبّ بيننا مماتٌ على وفق الرثاء مرتب
أبو خطوةٍ ولّى وقَفّاه عاصمٌ وجاء لعبد الرازق الموت يطلب
فلبّى وغابت بعده شمس قاسمٍ وعما قليلٍ شمس مَحياي تغرب
فلا تخش هلكاً ما حييتُ فإن أمُت فما أنت إلا خائفٌ تترقب
فخاطرْ وقعْ تحت الترام ولا تخف ونمْ تحت بيت الوقف وهو مخرّب
وخُض لجج الهيجاء أعزل آمنا فإن المنايا عنك تنأى وتهرب
لهذا لم يكن عجيباً أن ينتظر حافظ الموت بعد ذلك
إن وفاة الأربعة تمت خلال ثلاث سنوات فقط ففي كمّ من الوقت تتم وفاة الآخرين .
ولقد شاء الله تعالى أن تطَّرِد فصول هذه القصة العجيبة إلى نهايتها فقد مات حفني ناصف قبل حافظ إبراهيم ، أي بنفس ترتيبه في الوقوف في لحظة رثاء الشيخ محمد عبده وإن تأخر كثيراً عن سابقيه.
وهنا قال حافظ :
آذَنت شمس حياتي بمغيب ودنا المنهل يا نفس فطيبي
قد مضى حفني وهذا يومنا يتدانى فاستثيبي وأنيبي
قد وقفنا ستةً نبكي على عالم المشرق في يوم عصيب
وقف الخمسة قبلي فمضوا هكذا قبلي وإني عن قريب
رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة.
وسوم: العدد 977