إقبال المغاربة على المساجد في شهر الصيام انتكاسة لمن يستهدفون هويتهم الإسلامية في الداخل والخارج
مع حلول شهر الصيام كل سنة يمنى المستهدفون لهوية المغاربة الإسلامية على اختلاف اتجاهاتهم داخل وخارج المغرب بانتكاسة كبرى ، وذلك بسبب برهنة هذا الشعب المسلم الأصيل على تشبثه الشديد بهويته التي لا يرضى بغيرها ، ويرى لها بديلا أو عنها محيدا كما يحلم بذلك بعض الحاقدين على الإسلام والحالمين بذلك الذين ينفقون المال الطائل، والوقت الكثير والجهد الجهيد من أجل ضرب سور بينه وبينها بشتى طرق الكيد الماكر والخبيث إلا أنه يخيّب ظنهم ، ويحبط تآمرهم كلما هلّ عليه هلال شهر الصيام حيث يعبر من خلال ارتياده بيوت الله عز وجل كعادته كل سنة بأعداد غفيرة حتى أن بعضها لا يتسع لتلك الحشود ، وذلك لإحياء لياليه قياما ، وهو تعبير له دلالته الرمزية المعبرة عن التشبث القوي بالهوية الإسلامية خصوصا في ظرف استهداف الإسلام الصارخ بشكل غير مسبوق ، وبطرق منها الصريحة الفاضحة ومنها الملتوية والمتسترة ، والتي تأخذ أشكال فنية، وثقافية، ورياضية ... إلى غير ذلك ، وهو ما يبدو في الظاهر على أنه حفاوة بشهر الصيام ، والحقيقة أنه تآمر عليه، وذلك عن طريق شغل المسلمين عن العبادة الخاصة به ، وإلهائهم عنها لتضيع فرصة أيامه المعدودات ، وما فيها ثواب وأجر هما خير من ثواب وأجر ألف شهر ، وذلك ضرب للهوية الإسلامية في الصميم ، وهو استهداف خبيث للإسلام في نهاية المطاف من أجل طمس معالمه في القلوب والنفوس ، وهو ما يفسح المجال لبدائل وضعية قد برهن ما حدث وما يحدث في العالم على أنها عبارة عن خراب على مستوى القيم والأخلاق والمعاملات .
ومعلوم أن محاولة علمنة كل نواحي الحياة في البلاد العربية ومنها المغرب بطبيعة الحال قد صارت عبارة عن حمى حمّ بها خصوم الإسلام دوليا وإقليميا وحتى محليا ،وصاروا لا تعن لهم فرصة سانحة لإظهار العداء له والحقد عليه إلا وساروا أشواطا بعيدة في اقتناصها عسى أن يجدوا منافذ لتصدير بضاعة العلمانية المتهتكة رافعين شعارات براقة ومبهرجة كاذبة ومتهافتة ومتسترة بما ينادون به من حداثة ،وعصرنة ، ومدنية ، مواكبة للركب الحضاري المهيمن والذي يشر بما يسمى معايير دولية ... وما شابه ذلك من أدخنة زرقاء كما يقال .
ولقد ارتفعت درجة هذه الحمى بعدما عرف العالم العربي ثورات ربيعه التي عكست بوضوح إرادة الشعوب العربية ،وهي التفكير في الانعتاق والتحرر من التبعية للغرب العلماني ومن ظلاله المستبدة ، وهو الذي يمثل الإسلام أكبر هاجس يقلقه ، ويحول دون عولمة علمانيته ،لتكون هي العقيدة السائدة والمهيمنة في كل ربوع الإسلام وهو ما يخدم ما يسميه مصالحه أمنه الاستراتيجي ، معتمدا في تحقيق ذلك على أنظمة فاسدة ومستبدة منها من تلك التي تجاهر بالنيابة عنه في تسويق بضاعته العلمانية النافقة ، ومنها من تحاول إخفاء ذلك ، معتمدة التقية ، وكل ذلك سببه ما يلمس من تشبث الشعوب العربية بالهوية الإسلامية ، مع الرهان على الإسلام كحل للخلاص من الاستبداد والفساد السياسيين .
ولقد كان ظرف الجائحة مواتية لخصوم الإسلام حيث نشطت جهودهم في تسويق علمانيتهم التي أصابها البوار في الوقت التي كانت بيوت الله عز وجل موصدة إلا أن ذلك لم يمنع الشعوب العربية من ممارسة عباداتها صلاة وصياما ، وهو ما فوت عليهم ما اعتبروه ظرفا مواتيا للإجهازعلى الإسلام .
وبعد تجاوز ظرف الجائحة ، وعودة المساجد إلى القيام بدورها ظهر بشكل جلي رسوخ الهوية الإسلامية في قلوب الشعوب العربية المسلمة ، وهو ما يمثل انتكاسة للمشروع العلماني الفاشل والمندحر ، والذي لا مستقبل له في ربوع الإسلام سواء كانت عربية وغير عربية .
ومهما حاولت أوكار العلمانية أن تجعل من عبادتي الصيام والقيام ما يشبه عادة من العادات التي تصرف المسلمين عن التفكير فيهما إلى التفكير في الأكل والشرب وإعداد الموائد المتعددة الأصناف والأشكال والتي تغيب معها دلالة الصوم نهارا ، وكذا الانشغال بأنواع السهر العابث الذي تغيب معه عبادة القيام .
ومع إقبال المغاربة الكبيرعلى التعبد في شهر الصيام، فإنهم يبرهنون بالملموس على أن نبض التدين ثابت عندهم بالرغم من كيد الكائدين جليهم وخفيهم .
وقد يظن هؤلاء أن تعبدهم موسمي أو عابر يقتصر على أيام معدودات في السنة ، وهو ما ظلوا يرددونه لسنوات خلت إلا أنهم ينتكسون كل سنة وهو يرون جذوة التدين وهاجة لا تخبو بإذن الله تعالى ، وببركة الشهر الفضيل .
وسوم: العدد 978