الوقت هو الحياة
أرى رزنامة مواعيدي مكدسة ،تعروها فوضى خلاقة ، لم أعد أحصي تواريخها ، و الكثير منها أعدمت آجالها ، و فات وقت انجازها ، و أسبح في لهوي و خيبتي ، تتراوح أيامي بين مد و جزر كقارب فقد سيطرته ، فتلاعبت به العواصف في بحر متلاطم .
أصحو و أنام مغيب الرسالة و الاتجاه، تسيليني عنفوان العمر و زهوه، فلا أعير للعواقب اهتماما، فكل شيء يمشي بلا مواعيد و لا حساب لقادم أو حاضر، فحياتي حرة طليقة.
حياتي يطبعها المران على التسويف و التأجيل، فلا يهمني أن يفوتني عمل مربح برمجته مادامت حياتي تسير في فلكي و مسبحي ، ولا تصدمني العوارض ، فأنا في حالي المستقر و في راحتي المعهودة ، أحيا كما أشاء ، ألهو و أمرح .
و أنا على حالي المعهود مرت في مخيلتي سحابات عاجلة غيرت صفو حياتي و غيرت طعمها ، كأنه زلزال مهول هز نفسي هزات عنيفة ، أصابني خوف و رعب ، فتفتحت عيني على حقائق مهولة ، نظرت خلفي أجع أوراق عمري ، التي بعثرتها عوامل الزمن ، فلم تعد صالحة ، لم تعد في الخدمة ، مثل مادة غذائية انتهت صلاحيتها ، فلو أطعمها أصيب بتسمم غذائي ، عجل حتفي .
أبصرت حولي عالمي المخفي ، و أنا أرى الزهور تختطف على عجل ، تركوا خلفهم الدنيا و مفاتنها و دورها و قصورها ، أرى صاحب الجسم القوي غابت قوته في لحظة فلم يعد قوى على جمع أعرضه ، يعجز أن يقضي حاجاته البيولوجية ، أرى حولي القواصم أصبحت أبكي حالي ، أبكي خيبتي ، فكم من الوقت يلزمني لاستدراك ما فاتني من مواعيدي المبرمجة .
أحسست حينها كأن واعظا داخلي يفتح لي الأبواب المغلقة ، يفتح عيني على حقيقتي المنسية ، يعظني بكلمات فيها عبر ، فألمم نفسي المضطربة ، أداوي جروحي الغائرة ، علي أستعيد عافيتي قبل فوات الأوان .
فإذا الواعظ يطيب أنفاسي بلطائف روحية تريح نفسي من الهدي النبوي و مأثور سلفنا الصالح .
في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة " فكم نضيع من الأوقات يفوتنا فيها الخير الكثير، يفوتنا فيها جني الخيرات ، حياتنا بسنان جني منها محاصيل الخير ، نجني منها مفاتيح السعادة الدائمة .
وعنْ جابر t قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً، وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً رواه مسلم.
كان الحسن يقول .. يا ابن آدم نهارك ضيفك فأحسن إليه فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك وإن أسأت إليه ارتحل بذمك، وكذلك ليلتك (كتاب الزهد للحسن البصري 140)
فصدق من قال الوقت هو الحياة .
هيا يا أخي نغتنم وقتنا في الخير ، فنجني آثاره خيرا نسعد به يوم نلقاه سبحانه و تعالى .
وسوم: العدد 979