الشيفونية؛ ادعاء وازدراء
وأقبح القبح ما تبرقع ببرقع الحب أو الفضيلة، وأقبح الغدر ما نظمت فيه أهازيج الوفاء.
وقد اختصر ابو الطيب المتنبي طريق المجد والعلياء بقوله:
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتّال.
وكان الناس يظنون ان جمرة الشيفونية، قد انطفأت بانطفاء الدعوة النازية، والنظرية الآرية عن الجنس الأعلى، ولكننا ونحن نؤرخ في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين نلاحظ ان مرشحة اليمين الفرنسي "ماري لوبان" تحصل على نسبة أعلى من أصوات الناخبين، تكاد تؤهلها، ولا تفصلها عن النجاح إلا..
وأن العالم في ظل دعوات الأنسنة بأبعادها، ومواثيق حقوق الانسان بجملتها وتفصيلها يعيش حالة من الشيفونية المتعالية والغالية، دعوة اساسها تعظيم الأنا الفردي والقومي والوطني ليس فقط، بل وازدراء الآخرين والتعالي عليهم والخوف منهم ومحاولة التخلص منهم بأي ثمن..
والشيفونية في حقيقتها هي الاعتداد المغالي من الغلو، والمفرط من الإفراط، بالتفوق العرقي، والذات القومي، والتعصب للجماعة والوطن، والاستكبار على الآخرين، ورؤية النفس فوق. وهي تعبر عن لحظات الزهو والكبر والعجب والغرور والعنجهية والتعالي على المستضعفين خصوصا، كما تعبر عن غياب الرزانة والعقل والرشد وعن الضيق والحصر والانغلاق..
وبلغ بنمرود زهوه وعجبه أن قال (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) وكذلك يفعلون..
الشيفوني هو الشخص الذي يعتقد أنه ينتمي إلى نسب أو عرق من ذهب وسائر الناس معدنهم الرصاص.
وأقسى ما تجلت فيه الشيفونية في العصر الحديث، في النزعة الآرية، والجنس الأسمى والسوبرمان عند نيتشة والنازيين، الذين اعتقدوا انهم سادة العالم، وسادة البشر، وأن عليهم أن ينقذوا البشرية من الشر المتمثل في (أُولِي الضَّرَرِ) من أصحاب الاحتياجات الخاصة، ثم صنفوا البشر في جدول كجدول ما ندلييف لترتيب العناصر، وجعلوا في أدني مراتبه الساميين من يهود ثم عرب، إضافة إلى جماعات الرحل من غجر وأضرابهم، ثم أضرموا أفران الغاز ، بأجساد البشر، كما أخدود حي التضامن في دمشق، الذي يبدو انه اليوم بحاجة الى وقود جديد، وما على المتعهدين إلا الوفاء!!
إن النزعة الشيفونية المتمادية والمتعاظمة بين ظهراني البشر تكاد تخنق في الانسان إنسانيته، وتعتصر روحه، وتفقده أي معنى حقيقي لوجوده. إن حصول ماري لوبان على ما حصلت عليه في فرنسة بالأمس جدير بأن يقلق الانسان الذي يسكن الليل والنهار. إن ما حصلت عليه لوبان لا يجوز ان يقلق العرب والمسلمين والمختلفين عرقا وثقافة فقط بل يجب ان تقلق كل السىوريين الذين يتهددهم في الليل والنهار الترحيل إلى أخدود ذي نواس من جديد.
الشيفونية ضد السوريين خاصة، وسام كراهية أو شرف مرفوع على صدورهم، بعض الدول تغص بأكثر من عشرة أجناس من اللاجئين، ولا تسمع الشكوى والانين إلا من السوريين!! أي سر، وراء هذا، لقوم يتفكرون؟؟
السوريون وحدهم هم الذين يقف في وجههم ، ومع تأييد حرقهم اليمين الشيفوني المتطرف متحدا جماعة "أوقفوا الحرب" بزعامة من كان اسمه بالأمس جيرمي كوربن المشؤوم، لم يطالب أحد في العالم حتى الساعة وقف الحرب في سورية، كلهم أزّوها أو كما تقول العرب "حشّوها" ثم ..
الشيفونية لا هوية لها، وهي بغيضة مكروهة مشؤومة حتى عندما ترتدي رداء راهب أو كاهن، أو تعتمر عمامة دعي. في شعار الدين الحق (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ)
إن الروح المتمادية حول العالم في كراهية اللاجئين، ورفضهم، والتضييق عليهم، وإغلاق السبل في وجوههم، وجعلهم محكة وممسحة، هي روح شيفونية محضة، مهما تكن الشعارات والرايات.
إن ادعاء الحرص على المصالح الوطنية، واستشراف المستقبل الديمغرافي كلها معاذير أقبح من الذنوب.
يقول لك قائل: فرنسة أو ألمانية أو السويد لم تصنع مشكلتكم، وليس لها يد فيها، بلى والله كلهم صنعوا المشكلة، منذ أن ولوا على سورية نظاما طائفيا بغيضا حاقدا يشترك معهم في شيفونيتهم ضد الأبرياء.
إن الشيفونية نرعة استعلائية تدميرية بعيدة عن كل القيم الانسانية والحضارية، وبعيدة عن كل الثقافات الدينية الحقيقية، بكل ألوانها وأشكالها.
ولقد نزلنا بجوار قوم وضيئة وجوههم منذ أربعين سنة، فما وجدنا غير البر والحب والوفاء..
نقول في لهجتنا المحكية: هناك أخٌ، وهناك أخّ.
وسوم: العدد 979