حتَّى يغيِّروا ما بأنفسهم
لايخفى حال أمتنا على ذي بصيرة ، ولا تخفى أحوال المسلمين اليوم كأفراد أو أسر ، فالحال تدمى لها القلوب ، ومع ذلك فبيئة القوم تملؤُها الغفلة المشينة ، وكأن الأمر لايعنيهم ، والمشاعر الباردة التي تلفها الأهواء التي تشير إلى التخلف عن إداراك ما خُلق له الإنسان . حيث ترى كل قبائح الإفرنج تتربع في بلاد المسلمين ، وتبصر مكائد الصهاينة تقذف بأبشع عوامل الانهيار للأمة ، فكانت اللامبالاة هي الحضور المميَّز لوجهِ أنواع البطالات التي تهيمن على أسواق الناس الذين استهانوا بمكانتهم الإجتماعية ، وقيمهم الاجتماعية التي منحهم إياها ربُّهم سبحانه وتعالى منذ أقدم العصور . وهنا نسأل بمرارة كيف غابت الأيام الجميلات لهذه الأمة ... أيام الفتوحات ، وأيام ازدهار التحضر ، وأيام معاني الإخاء والتكافل الحقيقي بين المسلمين ، وأيام الاستنارة بما أنزل الله من وحي مقدس ، وكتاب مبين ؟ ثم نسأل وبمرارة ربما تكون أشدَّ وأعتى فنقول : كيف هجعت الأمة على هذا الهوان ، ورضيت بهذا التخلف ، وأقامت ـــ رغم ماتملك من الخيرات ـــ على وهـج هذا التصحر الذي أفقدنا جلال حضارتنا وبهاء السمو برسالتنا الغراء ، وقدرتنا الفائقة التي شهد لهـا الأعداء في ماضي العصور وحاضرها ، وكيف فقدت الأمة إحساسَها بضرورة التغيير الذي بات من أوجب الواجبات ، بل فرض عين على مَن يعيش في الأقطار الإسلامية ، لأنه الحــال يمس الجميع . ولأن الحال رضي بالمتاجرة بكراتين الزور الفارغة الجوفاء ، وأما التغيير فقد يراه الناس صعبا ، والدخول في بستان الحياة الجميل فيه مشقة ، فكيف السبيل ؟!
الجواب نراه كل ساعة على صفحات التواصل الاجتماعي ، وعلى شكل تغريدات أو رسائل ، وما أجملها ، وما أعذب انسيابها إلى قلوب المتراسلين وأنفسهم ، فها نحن نقرأ في تلك الرسائل ، وفي تلك المقالات والقصص والأشعار وغيرها من فنون لغتنا العربية العظيمة المجيدة ، ولكن !!! ما أمرَّ هذا الاستدراك ، ولكنْ : تاريخ مجيد ، وسير سامية ، روائع قصص ، وألوية ترف في آفاق الأرض ، الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، أخلاق فاضلات كالصدق والإخلاص والإيثار والحياء والشهامة والمروءة ... ولك أن تعود إلى كنوز قيمك وماضيك الأغر ، وتستمتع بما فيها من ربح معنوي ، وتألق روحي ، واستجابة للنفس لتلك النداءات العذبة في صفحاتها المشرقات بنور النبوات
هنا الاختبار الحقيقي والتمحيص الذي لايدع متكأ للخذلان إن جـدَّ التغيير الذي لابد منه . فلا بد من حالة وعي قوية تصرف كلَّ سانحة ليست في معجم التغيير ذي المقاصد النبيلة ، وهنا الدخول الناجح في مسارات السلوك السوي ، وتنوير العقول لتتسع المدارك ، وهنا تأتي نشوة القلب بالنضج الإيماني ، والأخذ بأسباب إثراء الذي يتغير بالمفيد القديم الجديد ، في دائرة الأخذ بالهمم والعزائم التي كانت لأجدادنا الأُباة الكرام . الذيم لم ينتظروا مَن يعلمهم كيف يجنون ثمرات مآثرهم اليانعات ، فقد أتقنوها على أيدي نبيِّهم صلى الله عليه وسلم ، وعلى أيدي أصحابه الغر الميامين رضوان الله عليهم أجمعين . إن فواجع أمتنا اليوم تصرخ مآسيها ، وتفيض دموعها السخينة ، وتتدفق دماؤُها الفوَّارة ، وكأن الأمة في سفينة توسطت لج الظلمات في بحر محيط لا ساحل له .
وما بين الحال التي نحن فيهـا ، والأمل بالتغيير المرتقب المنشود ، ثم بوعد نبينا صلى الله عليه وسلم ، بالفتح والخير والأمن التي ستملأ ماطلعت عليه الشمس ـــ إن شاء الله ـــ وبما أورد ربُّنا سبحانه وتعالى في كتابه العظيم ... سيندحر اليأس ، وتتلاشى أعاصير المغريات ، وتنطوي هيمنة الشر والأذى في هذا المدى الذي تحفه الأخطار من كل جانب ، فما زال الخير في هذه الأمة ، وما زال الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، رغم قوة البغي والعدوان على هذا الدين ، ورغم تسلط الأعداء ومؤامراتهم لإطفاء جذوة التغيير . فأطياف مجدنا الخالد ، وثبات الأمة على طهارة فطرتها ، وكره أبنائها الأطهار لحالات الخمول والدعة ، ومسارعتهم لنصرة دينهم في تلبية جادة إلى الأخذ بأنواع العبادات والمشاعر، والتوثب للإقلاع عن القبائح العالمية التي لاتليق بعقيدتنا وعاداتنا القيمة ، ومحتد أمتنا ، وبسرورهم بزهو انتقالهم إلى مكان خدمة أمتهم لإنقاذها من كل المشاريع العالمية التي تُدبَّر لها من قِبل الذين يكرهون الخير والطمأنينة للإنسانية الحائرة في هذا العصر .
وسوم: العدد 981