حلم إسرائيل: دولة يحيطها الليزر من كل الجهات
في منتصف الأسبوع المنصرم وخلال زيارته لمصانع شركة الإنتاج العسكري «رفائيل» أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، سلسلة من التصريحات تطرّق فيها إلى تطوير نظام سلاح الليزر الإسرائيلي، واصفا إيّاه بأن «كاسر تعادل استراتيجي» ووعد بأن يتم نصبه خلال عام، لكنّ المسؤولين العسكريين الإسرائيليين سرّبوا للإعلام تحفّظهم من تسرّع بينيت وقالوا، بأنهم بحاجة إلى سنتين على الأقل لإتمام التجارب والاستعدادات اللازمة لدمج نظام الاعتراض الليزري ضمن منظومة اعتراض الصواريخ الإسرائيلية.
ومن الغريب أن بعض وسائل الإعلام العربي تطرقت إلى النظام العسكري الجديد بأنه جدار الليزر الدفاعي، وكأنّ إسرائيل في حالة دفاع، وكأنّ من الممكن نظريا أن يكون المعتدي في حالة دفاع. الهدف الحقيقي لتطوير سلاح الليزر هو عدواني وهجومي، فإسرائيل تحلم بأن تستطيع أن تبني جدار ليزر فعّال، يحيطها من كل الجهات ويعترض كل أنواع القذائف والصواريخ والمسيّرات، ويمكّنها من الانفلات بلا رادع في عدوانها، بحيث تستطيع أن تقصف غزّة أو لبنان بلا قيود وتتكفل أجهزة الليزر باعتراض وتعطيل أي رد فعل صاروخي.
تباهي نفتالي بينيت خلال زيارته لشركة رفائيل بما سماه الإنجاز الكبير للصناعات العسكرية الإسرائيلية مضيفا: «هذا سلاح كاسر للتعادل، لأننا لن نهزم العدو عسكريا فحسب، بل سنفقره ماليا. حتى اليوم كلّفنا اعتراض أي صاروخ الكثير من المال، واليوم يمكنهم استثمار آلاف الدولارات في صاروخ ونحن نستثمر في اعتراض الصاروخ (بالليزر) دولارين فقط هي تكلفة الكهرباء». البعد الاقتصادي في حرب الصواريخ مهمّ للغاية، وذلك بسبب البون الشاسع بين تكلفة الصاروخ وتكلفة اعتراضه. فبعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزّة في أيّار/مايو 2021، طلبت إسرائيل مبلغ مليار دولار لتعويضها عن «الخسائر» في استهلاك قذائف نظام «القبة الحديدية» وقد حصلت عليها بالكامل من إدارة بايدن لملء مخازنها من جديد. والموضوع لا يبدأ وينتهي بأن إسرائيل تستهلك والولايات المتحدة تدفع، فهذا قد يأتي على حساب طلبات إسرائيلية أخرى ما زالت قيد البحث في البنتاغون والإدارة الأمريكية. حسب المصادر الإسرائيلية، تبلغ تكلفة كل قذيفة يطلقها نظام «القبة الحديدية» لاعتراض الصواريخ حوالي 30 ألف دولار، وهذا رقم خيالي إذا أخذنا بعين الاعتبار اضطرار الجيش الإسرائيلي الدائم إلى استعمال كمية كبيرة منها في أي معركة، وإلى حاجتها إلى زيادة عدد القذائف لتجاوز دقّتها المحدودة، التي تقدّر بنسبة 80% تقريبا، تبعا لوتيرة إطلاق الصواريخ في كل وابل. وإذا وصلت التكلفة الى مليار دولار في مواجهة عسكرية محدودة، فما بالك في مواجهة أكبر وفي حرب فعلية، في مثل هذه الحال قد تبلغ تكلفة اعتراض الصواريخ وحدها عشرات المليارات من الدولارات. وحتى لو كانت كمية قذائف اعتراض الصواريخ في مخازن الجيش الإسرائيلي كبيرة جدّا، فهي تبقى محدودة وأقل بكثير من عدد الصواريخ والقذائف الموجهة ضد مواقع إسرائيلية، وفي حرب فعلية وواسعة النطاق قد تصل إسرائيل إلى حالة نضوب مخازنها. من هنا فإن تطوير سلاح اعتراض صواريخ لا ينضب ومنخفض التكلفة أصبح ضرورة استراتيجية وليس مجرّد خيار ضمن خيارات.
لم تعد إسرائيل تخشى الجيوش الجرّارة، ومصدر قلقها الأكبر هو التهديدات الصاروخية، التي قد تأتيها ـ كما تقول ـ من غزّة ولبنان واليمن وسوريا والعراق وإيران. وهذه التهديدات تشكّل نوعا من الردع للعدوان الإسرائيلي، الذي من المعروف سلفا أنّه يجر وراءه قصفا صاروخيا يهزّ الأمن ويعطّل مجرى الحياة في مناطق بأسرها في الدولة العبرية. وعليه لا تكتفي إسرائيل بالحصول على أسلحة اعتراض الصواريخ من الولايات المتحدة، بل تقوم هي نفسها بتطوير ما تسمّيه قدراتها الذاتية، لتلائم احتياجاتها الخاصة والمتزايدة.. وإذ هي توصّلت إلى نتيجة واضحة بأن تطوير وتدقيق الأنظمة التقليدية لاعتراض الصواريخ سيزيد تكلفة كل قذيفة اعتراض بعشرات آلاف الدولارات، فإنّها مقتنعة بجدوى الاستثمار في سلاح ليزر يكلّف دولارين، كما يدّعي بينيت.
ما من شك بأن النقلة النوعية التاريخية الكبرى في عالم الليزر تحققت بفضل جهود العالم المصري أحمد زويل، الذي فاز بجائزة نوبل بسبب اكتشافاته، التي فتحت أبوابا واسعة للبحث العلمي في مجالات الكيمياء والفيزياء والطب، وجعلت الكثير مما كان مستحيلا أمرا ممكننا، وساهمت (وفي المستقبل أكثر) بشكل فعلي ومتواصل في خدمة صحة وسعادة البشر على الأرض. وعليه فإن تقنية الليزر قابلة لأن تكون بركة وخيراً للناس إذا استلمتها أيد أمينة، وقد تكون وبالا على البشر إذا لعب بها من يعتقدون أن سعادتهم وسلامتهم تتحقق بتعاسة وبقمع الآخرين. تعتبر إسرائيل عموما دولة متطوّرة في أبحاث واكتشافات عالم الليزر، وما تطوّره في عالم الليزر المدني يجري نقله بسرعة إلى خدمة الآلة العسكرية الإسبارطية، المتحكّمة في مفاصل الحياة في الكيان الإسرائيلي، الذي فيه الحدود بين الأكاديميا والصناعة العسكرية مفتوحة على مصراعيها، وتشهد على الدوام تنقّلا واسعا للمعلومات وللأشخاص.
لقد ادّعى المسؤولون عن مشروع تطوير سلاح الليزر الإسرائيلي بأنّهم حقّقوا نقلة نوعية واختراقا تكنولوجيا لم يصل إليه أحد قبلهم، وفي رواية أخرى تحقّق اختراق علمي مهم سيلحقه تطوير تكنولوجيا أكثر تقدما، وتعبير «علمي» هنا يشي بمصدره الجامعي الأكاديمي، وادعوا أيضا أن التجارب التي أجريت على منظومة ليزر جديدة تكللت بالنجاح، حيث جرى ـ كما قالوا ـ تدمير صواريخ وقذائف وطائرات مسيّرة بقوة أشعة الليزر الحارقة.
حرب الصيف وحرب الشتاء
وعلى الرغم من الاحتفال بنجاح التجارب على سلاح الليزر، إلّا أنه وبعد إتمام تطويره والشروع في تشغيله ونصبه على طول حدود غزّة أولا، وعلى الحدود الإسرائيلية برمتها لاحقا، يبقى هذا السلاح محدود الفعالية نظرا لأنه غير مناسب لاعتراض الصواريخ الثقيلة بعيدة المدى، ولأنه لا يصيب الهدف في حالات الضباب والغيوم والمطر. وقد يؤدّي هذا من جهة إلى الالتفاف عليه بشن المعارك الصاروخية في أيام الشتاء الماطرة والغائمة. من جهة أخرى ستحاول إسرائيل شن عدوانها في الصيف لتتمكن من اعتراض الصواريخ والقذائف بنظام الليزر الجديد. وقد يعيد التاريخ نفسه ويصبح عامل الطقس في الحرب مهما من جديد. في كل الأحوال تقوم إسرائيل حاليا بالعمل على تطوير نظام سلاح الليزر ليعمل في ظروف جوية شتائية، وهذا عمليا هو المشروع الذي تقوم به شركة «البيت» التي طوّرت نموذجا أوليا لنظام ليزر جوي محمول على طائرة تحوم فوق الغيوم وقادرة على اصطياد الصواريخ بعد اختراقها الغيم في طريقها للهدف. في المقابل بدأت الدوائر العلمية والصناعية والأمنية الإسرائيلية أبحاث تطوير سلاح ليزر هجومي، بالمفهوم المباشر لكلمة هجومي، وبالعموم ليس في إسرائيل أي نظام من الممكن أن نسميه «دفاعيا» فحماية ما هو مسلوب ليس دفاعا، بل هو نوع من الهجوم.
تثير الأخبار والتقارير الكثيرة في الإعلام العالمي مثل «نيويورك تايمز» التي تناولت بالتفصيل موضوع سلاح الليزر الإسرائيلي، تساؤلا حول الهدف الحقيقي من هذه العلنية في الحديث عن هذا «السلاح السرّي». ويبدو أن إسرائيل تريد جلب الاستثمارات لمشروعها الطموح، الذي يكلّف مليارات الدولارات. وقد نشرت الصحف الإسرائيلية أن هناك اهتماما أمريكيا كبيرا بمشاريع أسلحة الليزر الإسرائيلية ومخرجاتها، وهذا ليس مستغربا نظرا للورطة الأمريكية الكبرى في غياب الرد على صواريخ فرط السرعة، التي طوّرتها كل من روسيا والصين وأجرتا عليها تجارب ناجحة. الأسلحة التقليدية وأساليب الرصد والاعتراض الموجودة لا توفر ردا عليها، وهناك تفكير بأن الرد قد يكون بالليزر تحديدا. لقد جرى حتى الآن، تطوير أسلحة الليزر الإسرائيلية بتمويل إسرائيلي، ومؤخّرا تكثّفت الاتصالات وتبادل الاقتراحات مع الأمريكيين للتعاون والاستثمار. ويستدل مما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن القيادة السياسية والأمنية تسعى لجر دول الخليج للاستثمار في سلاح الليزر الإسرائيلي، مع أن كل من سئل منها رفض الإجابة واكتفى بالقول «نجري اتصالات مع عدة أطراف لتوسيع الاستثمار» وهذا باللغة الإسرائيلية أكثر من تلميح. إسرائيل تطلب من الولايات المتحدة المحافظة على «تفوقها» على العرب، كل العرب بمن فيهم حلفاء أمريكا وإسرائيل. هذا أمر معروف، ولكن من الغريب أن يقوم العرب بتمويل مشاريع تضمن التفوق الإسرائيلي عليهم. ومن الغريب أيضا أن يموّل العرب أسلحة إسرائيلية هدفها المعلن فك القيود، التي تفرضها إسرائيل على نفسها في العدوان المتواصل على غزّة وعلى غيرها. قد تكون هناك مبالغة في القول «من الغريب» لكن يجب عدم التسليم باعتبار التطبيع والتتبيع أمرا مسلما به.
رئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48
وسوم: العدد 984