“معبر الكرامة”.. لا نصيب من اسمه للفلسطينيين
أريحا- “القدس العربي”: لا تؤمن الناشطة الثقافية الفلسطينية صابرين سمعة بمسار السفر الذي يحمل اسم VIP للمرور من الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى المملكة الأردنية الهاشمية وبالعكس، لكنها هذه المرة، تحديدا، اضطرت لسلوك هذا المسار على أمل أن تضمن خدمة جيدة وانتظارا أقل، في ضوء ما يثار عن حالة الزحام والاكتظاظ في أعداد المسافرين المغادرين والقادمين من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ورغم سلوك هذا الطريق، الذي يعرف عادة بأنه للشخصيات المهمة وللمقتدرين ماديا، لم تتمكن الناشطة سمعة من الوصول للأراضي الفلسطينية إلا بعد ست ساعات من الانتظار والتنقل من جسر وأخر.
وتعتبر الساعات الست قليلة، إذا ما علمنا أن هناك مواطنين احتاجوا إلى أكثر من 15 ساعة لقطع مسافة لا تحتاج سوى ربع ساعة في الظروف العادية ومن دون ثلاثة حواجز أردنية وإسرائيلية وفلسطينية.
وتؤكد سمعة أن هناك كماً هائلاً من الناس كانوا على الجسر خلال الأيام الماضية، تقول: “الناس فوق بعضهم البعض”، في ظل حالة من الفوضى وغياب للتنظيم والعشوائية العامة.
وبرأي سمعة فإن الاكتظاظ متعلق بالأساس بالفوضى وغياب الدور والمحسوبية وعدم وضوح النظام، كما أن عدد السيارات التي تخدم في قسم الشخصيات المهمة غير كاف إطلاقا.
وترى سمعة أن الجانب الإسرائيلي يرفض استقبال مواطنين زيادة عن قدرته الاستيعابية، بمعنى أنه يرفض أن يراكم المسافرين في الجانب الخاص به، وهو ما يدفع إلى أن يتراكموا بالجانب الأردني أو الفلسطيني.
ومع ذلك شهد الجانب الإسرائيلي تراكم مجموعات أقل من المواطنين وفوضى في استقبال المسافرين مع حقائبهم.
وتشتكي سمعة أسوة بغيرها من المواطنين المسافرين من حالة من الاستغلال المادي المرعب. تصف ذلك بأنه “طريقة مقززة، وإجراءات مالية جديدة وغير معروفة للناس”.
وتؤكد أن خدمة الشخصيات المهمة تكلف المسافر في الظرف الطبيعي مبلغ 110 دولار أمريكي، أما في الظرف الذي مرت به فقد كلفها إلى جانب الوقت الطويل 145 دولاراً أمريكياً.
جانب آخر للفوضى وتراكم المواطنين يرتبط بضياع الحقائب وتأخر وصولها، وتشير سمعة إلى أنها على الجانب الإسرائيلي أضاعت إحدى حقائبها، والسبب في ذلك حالة الفوضى وعدم وجود ترقيم للحقائب بشكل سليم.
واحتاجت سمعة ما يقرب من 3 ساعات إضافية بحثا عن حقيبتها من دون أن تثمر في الوصول إليها، وهي حالة واحدة من عشرات حالات ضياع الحقائب على مدى أيام، فالناس، بحسب سمعة، “لا تعرف مين الجهة التي عليها أن تراجعها”.
ولجأت الناشطة صابرين سمعة إلى الفيسبوك بحثاً عن الحقيبة، حيث نشرت صورتها وتمكنت بعد ساعات من إيجاد الشخص الذي حمل حقيبتها ظانا إنها حقيبته.
وتؤكد: “حمدا لله، لو ضاعت على أحد الجسور الثلاثة فإن الإجراءات تأخذ وقتا أطول”.
ووثقت الصور ومقاطع الفيديو الواردة اليوم الأحد والسبت، من جسر الملك الحسين، بوابة العبور البرية الوحيدة من وإلى الضفة الغربية، استمرار الأزمة الخانقة وغير المسبوقة، التي يعاني منها القادمون إلى الأراضي الفلسطينية.
تخفيف أردني والمغرب على الخط
بدوره أوعز مدير الأمن العام اللواء حسين الحواتمة، بتهيئة ثلاث خيام مجهزة ومكيفة لاستقبال المسافرين عبر جسر الملك حسين.
وفي تصريحات صحفية، قال الناطق الإعلامي باسم المديرية إن التعليمات الصادرة من مدير الأمن العام بضرورة توفير الإمكانيات اللازمة للتخفيف عن المسافرين، ولما يشهده الجسر من حركة نشطة خلال هذه الأيام تزامنت مع ارتفاع درجات الحرارة. حيث اشتملت التعليمات على توفير المياه الباردة وتثبيت مركبات إسعاف وطواقمها ومضاعفة عمل كوادر الجسر خلال أوقات العمل الرسمي لتسهيل مرور المسافرين بأسرع وقت ممكن.
في المقابل انتشرت أنباء غير مؤكدة أن حكومة الاحتلال الإسرائيلية تتجه لفتح المعبر الحدودي بين الضفة الغربية والأردن، على مدار الساعة، استجابة لوساطة مغربية، إلا أن الجانب الفلسطيني لم يبلغ حتى اللحظة بأي تغييرات في ساعات عمل معبر الكرامة.
وكانت وزارة المواصلات الإسرائيلية قد أصدرت الجمعة تصريحًا صحفيًا مكتوبًا، قالت فيه: “منذ عدة أشهر، كانت وزيرة النقل والأمان على الطرق ميراف ميخائيلي وفريقها على اتصال مع ممثلين أمريكيين وفلسطينيين ومغاربة لفتح معبر اللّنبي بين (إسرائيل) والأردن على مدار الساعة، 24 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع”.
وأضافت: “تم إحراز تقدم إضافي في هذه المبادرة مع زيارة رئيس الولايات المتحدة جو بايدن إلى (إسرائيل)، ومن المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ بمجرد اتخاذ الترتيبات اللوجستية، بما في ذلك تجنيد الأفراد اللازمين لتمديد ساعات العمل”.
وبرأي الخبير في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور فإن دخول المغرب على خط التخفيف على الفلسطينيين يأتي في سياق الزيارة التي يجريها رئيس أركان الاحتلال أفيف كوخافي إلى المغرب، وتستمر ثلاثة أيام.
وأكدت مصادر رسمية فلسطينية متطابقة في شرطة معبر الكرامة، وفي الإدارة العامة للمعابر والحدود، عدم إبلاغهم بأي شيء رسمي يتعلق بتغييرات على ساعات عمل معبر الكرامة.
وأوضحت المصادر الرسمية المحلية أنها سمعت عن تغييرات في العمل على المعبر عبر وسائل الإعلام، ولم تبلغ بأي تغيير محتمل كي تستعد لذلك.
ويقدم المعبر الحدودي، الذي يسمى فلسطينياً معبر الكرامة، خدماته للمواطنين منذ الساعة 8 صباحًا وحتى 8 مساء من الأحد وإلى الخميس، وحتى الساعة 12 ظهرًا يومي الجمعة والسبت، وهو ما يجعله يمر بحالة من الاكتظاظ الشديد خلال فصل الصيف الذي يعتبر موسم عودة المغتربين.
حملة بكرامة
الحالة العامة من استياء المواطنين الفلسطينيين الشديد دفعت مؤسسات حقوقية وحملات أهلية إلى المطالبة بعودة عمل المعبر طوال 24 ساعة في اليوم. حيث عقد الخميس الماضي، مؤتمر صحفي، طالبت فيه حملة “بكرامة” ومؤسستي “شمس” و”حريات” الحقوقيتين بإعادة فتح المعبر طوال 24 ساعة، وقد وصفتا ما يجري عليه من تضييقات بالإهانة لحقوق الشعب الفلسطيني وحريتهم في الحركة والتنقل.
وقال منسق الحملة، الإعلامي طلعت علوي، إن موضوع تمديد العمل على معبر الكرامة وفتحه طوال اليوم هو حقٌ أصيل للمواطن الفلسطيني.
وشدد علوي في المؤتمر الصحفي على أن الفلسطينيين خسروا خلال فترة جائحة “كورونا” الكثير من المكتسبات التي تحققت في رحلة السفر إلى الأردن، ومنها تمديد العمل على معبر الكرامة طوال 24 ساعة.
وأكد علوي أنه لا يوجد أي حديث من المستوى الرسمي الفلسطيني عن عودة العمل على معبر الكرامة طوال 24 ساعة، في الوقت الذي ترفع فيه كافة قيود السفر في دول العالم. لذا جدد المطالبة بتمديد العمل على الجسر 24 ساعة طوال أيام العام، وفي كافة أيام الأسبوع.
وتضمنت أبرز مطالب حملة بكرامة بإلغاء ضريبة المغادرة، والسماح بالسفر بالمركبات الشخصية، وتخصيص خط مواصلات من الجسر في الأردن إلى المطار مباشرة وشركة “جيت” مسؤولة عن توفير عن هذا الخط، وتحديد جدول زمني لسير الحافلات على الاستراحة في أريحا والجسر في الأردن، وأن يكون هناك جدول زمني لانطلاق الحافلات، حتى لو براكب واحد، كما هو الحال في كل دول العالم.
وتابع علوي أن الحملة تطالب بدراسة تكلفة السفر عبر الحافلات العاملة في فلسطين والأردن لإعادة النظر بتسعير المواصلات، لا أن ترفع كل شركة السعر على مزاجها، وتكليف من يلزم من قبل الحكومة للبت بحملة الهوية الزرقاء فهم بحاجة لجهة رسمية تدافع عنهم.
وشددت على ضرورة الإحجام عن خدمة السفر السريع أياً كانت للمساهمة بالضغط لتحسين ظروف السفر لكافة المسافرين، وتشكيل فريق وطني خاص بمعبر الكرامة يضم جهات الاختصاص ومؤسسات المجتمع المدني لمتابعة كافة الإجراءات على الصعيدين المالي واللوجستي على معبر الكرامة.
وأكد حلمي الأعرج، رئيس مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية، في حديث صحفي، أن ما يتعرض له الفلسطيني فيه من الامتهان للكرامة والإذلال ما يفوق أي تصور.
وتابع الأعرج أن على المجتمع الدولي أن يطلع على حجم الإذلال والامتهان للكرامة تجربة ولو ليوم واحد في الصيف والحر على ما يجري على معبر الكرامة، “إنه يرتقي إلى مستوى عقوبات جماعية وسوء المعاملة والتعذيب، فهذه سلطة تمارس الظلم والإذلال بقرار سياسي أمني، وعلى مدى عقود من الزمن”.
يذكر أن من بين قائمة الإنجازات والتسهيلات التي جلبتها زيارة جو بايدن الرئيس الأمريكي للمنطقة وعداً بتقديم تسهيلات للفلسطينيين إحداها إتاحة التنقل عبر معبر الكرامة على مدى 24 ساعة يوميا وعلى مدى أيام الأسبوع وهو أمر يتوقع مراقبون أن ينفذ مطلع الشهر القادم.
وتحدثت مصادر إسرائيلية قبل وأثناء زيارة الرئيس بادين للمنطقة عن فكرة استخدام الفلسطينيين لمطار رامون (جنوب فلسطين المحتلة)، بدلا من جسر معبر الكرامة مقابل عدم مضيهم قدما في الإجراءات بمحكمة الجنايات الدولية ضد تل أبيب.
وبموجب الخطة التي لم يعلن عنها رسميا سينتقل الفلسطينيون في ممر آمن من الأراضي الفلسطينية إلى وادي عربة ومنه إلى مطار رامون، وهو أمر رفضه نشطاء فلسطينيون، مطالبين باستمرار السفر عبر المملكة الأردنية الهاشمة مع تقديم تحسينات في الخدمات المقدمة للمسافرين الفلسطينيين.
وسوم: العدد 989